بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
من أعجب العجائب ، وأكبر الآيات الدالة على قدرة الملك الغلاب ، ستة أصول بينها الله تعالى بيانا واضحا للعوام فوق ما يظن الظانون ، ثم بعد هذا غلط فيها أذكياء العالم ، وعقلاء بني آدم ، إلا أقل القليل .
( الأصل الأول )
إخلاص الدين لله تعالى وحده لا شريك له وبيان ضده الذي هو الشرك بالله ، وكون أكثر القرآن في بيان هذا الأصل من وجوه شتى بكلام يفهمه أبلد العامة ، ثم صار على أكثر الأمة ما صار : أظهر لهم الشيطان الإخلاص في صورة تنقص الصالحين والتقصير في حقوقهم ، وأظهر لهم الشرك بالله في صورة محبة الصالحين وأتباعهم .
( الأصل الثاني )
أمر الله بالاجتماع في الدين ونهى عن التفرق ، فبين الله هذا بيانا شافيا تفهمه العوام ، ونهانا أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا قبلنا فهلكوا ، وذكر أنه أمر المسلمين بالاجتماع في الدين ونهاهم عن التفرق فيه . ويزيده وضوحا ما وردت به السنة من العجب العجاب في ذلك ، ثم صار الأمر إلى أن الافتراق في أصول الدين وفروعه هو العلم والفقه في الدين ، وصار الأمر بالاجتماع لا يقوله إلا زنديق أو مجنون .
( الأصل الثالث )
أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا ولو كان عبدا حبشيا ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا بيانا شائعا ذائعا بكل وجه من أنواع البيان شرعا وقدرا ، ثم صار هذا الأصل لا يُعرف عند أكثر من يدّعي العلم فكيف العمل به ؟
( الأصل الرابع )
بيان العلم والعلماء والفقه والفقهاء ، وبيان من تشبه بهم وليس منهم ، وقد بين الله تعالى هذا الأصل في أول سورة البقرة من قوله (( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ــ إلى قوله قبل ذكر إبراهيم عليه السلام ـ يا بني إسرائيل )) الآية >> البقرة : 47 << ، ويزيده وضوحا ما صرحت به السنة في هذا من الكلام الكثير البين الواضح للعامي البليد ، ثم صار هذا أغرب الأشياء ، وصار العلم والفقه هو البدع والضلالات ، وخيار ما عندهم لبس الحق بالباطل ، وصار العلم الذي فرضه الله تعالى على الخلق ومدحهُ لا يتفوهُ به إلا زنديق أو مجنون ، وصار من أنكره وعاداه وصنف في التحذير منه والنهي عنه هو الفقيه العالم .
( الأصل الخامس )
بيان الله سبحانه لأولياء الله وتفريقه بينهم وبين المتشبهين بهم من أعداء الله والمنافقين والفجار . ويكفي في هذا آية في آل عمران وهي قوله (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )) الآية ، وآية في المائدة وهي قوله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه )) الآية >> المائدة : 54 << ، وآية في يونس وهي قوله تعالى (( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون )) >> يونس : 40 << . ثم صار الأمر عند أكثر من يدّعي العلم وأنه من هداة الخلق وحفاظ الشرع إلى أن الأولياء لا بد فيهم من ترك اتباع الرسل ، ومن تبعهم فليس منهم . يا ربنا نسألك العفو والعافية إنك سميع الدعاء .
( الأصل السادس )
رد البدعة التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنة ، واتباع الآراء والأهواء المتفرقة المختلفة ، وهي أي السنة التي وضعها الشيطان هي أن القرآن والسنة لا يعرفهما إلا المجتهد المطلق ، والمجتهد هو الموصوف بكذا وكذا أوصافا لعلها لا توجد تامة في أبي بكر وعمر ، فإن لم يكن الإنسان كذلك فليعرض عنهما فرضا حتما لا شك ولا إشكال فيه ، ومن طلب الهدى منهما فهو إما زنديق وإما مجنون لأجل صعوبتهما . سبحان الله وبحمده .
والأمر بردّ هذه الشبهة الملعونة من وجوه شتى بلغت إلى أمر الضروريات العامة ولكن أكثر الناس لا يعلمون (( لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون . إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون . وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون . وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون . إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشرة بمغفرة وأجر كريم )) >> يس : 7 – 11 << .
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا