( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى )
آية عظيمة في أوّل سورة نزلت في القرآن، وهي سورة العلق.
هذه الآية تهزُّ الوجدان ، وتفعل في النفس ما لا تفعله سلطات الدنيا
ولا أحدث المقتنيات في عالم المخابرات.
آية تضبط النوازع ، وتكبح الجماح ، وتدعوا إلى إحسان العمل
وكمال المراقبة.
وقد جاءت بهذا البيان المعجز الذي لا تصل إليه قوّة بشر.
جاءت بهذا التعبير الواضح مُبِيّنَةً عما تحتها من معنى
جاءت بصيغة الإستفهام : ( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ).
وتحت هذه الآية من اللطائف والأسرار الشيءُ الكثير؛
ففيها إشارة إلى وجوب المراقبة ، وفيها تهديد لمن يتمادى في الغيّ
وفيها تلويح إلى وجوب الإقصار عن الشر
وفيها تلميح إلى أنّ إطّلاع الله -عزّ وجل- على الخلائق أمر فطريّ لا يحتاج إلى دليل
وفيها تعريض بغباوة من يجهل هذه الحقيقة ، أو يكابر في شأنها.
فيا لله ما أجمل أن يستحضر كلُّ أحدٍ هذه الآية إذا إمتدت عينه خيانة
أو يده إلى حرام ، أو سارت قدمه إلى سوء!
وما أروع أن تكون هذه الآية نُصْبَ أعيننا إذا أردنا القيام بما أُنيط بنا من عمل!
وفي هذا سرٌّ بديعٌ، ودرسٌ عظيمٌ تُفِيد منه الأمّةُ بعامة ، ويَفِيد منه الأفرادُ بخاصة
فواجب على المُصلحين وقادةِ الأمم أن يتنبّهوا لهذا المعنى ، وأن يحرصوا على إشاعته في الناس
ذلكم أنَّ وازعَ الدِّين والمراقبة لرب العالمين
يفعل في النفوس ما لا يفعله وازعُ القوةِ والسلطان
فإذا أَلِفَ المرءُ أن يراقب ربه ، ويستحضر شهوده وإطّلاعه عليه
- فإنَّ المجتمعَ يأمنُ بوائقه ، ويستريحُ من كثير من شروره.
أمّا إذا كان الإعتماد على وازعِ القوّة ، وحارسِ القانون - فإنّ القوةَ قد تضعف
وإنّ الحارسَ قد يغفُل ، وإنّ القانون قد يُؤَوَّل ، وقد يُتَحايلُ للتخلص من سلطانه.
لذلك تكثر الجرائم والمفاسد إذا قَلَّت التربية الدينية في مجتمع ما
فإذا أشعنا هذا المعنى في الناس وعَمَدَنا إلى تربيتهم بأسلوب الدِّين والفضيلة أرحنا وإسترحنا ووفَّرنا جهوداً كبيرة
وقد تكون ضائعة في غير ما فائدة ؛ فالمراقبة حارسٌ قويٌّ يمنع الإنسانَ من التفكير في الجرائم والشرور.
فلا عجب - إذاً - أن تكون هذه الآية في أول سورة نزلت مِن القرآن الكريم.