عن حنظلة الأسيدي- وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: "لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟! قال: قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله! ما تقول؟! قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيراً. قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا! فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟! قلت يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده؛ إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات". (رواه مسلم 2750).
إنّه موقفٌ لم يكن قاصراً على حنظلة وأبي بكر رضي الله عنهما، فها هو صحابي آخر من صحابته صلى الله عليه وسلم يروي قريباً من ذلك.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قلنا يا رسول الله؛ إنا إذا رأيناك رقّت قلوبنا، وكنا من أهل الآخرة، وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشممنا النساء والأولاد!. قال: لو تكونون، أو قال: لو أنكم تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم، ولزارتكم في بيوتكم، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم". (رواه أحمد 7983، والترمذي 2525).
وكما كان الذين يصحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجالسونه يدركون هذه المعاني ويعايشونها، فالذين لم تتح لهم هذه الفرصة كانوا يرون أنهم خسروا شيئاً سبقهم إليه الآخرون.
عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: "بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي، أنا أصغرهم، أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم. إمّا قال بضع وإمّا قال في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلاً من قومي، فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، وكان أُناس من الناس يقولون لنا، يعني: لأهل السفينة: سبقناكم بالهجرة، ودخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟! قالت: أسماء بنت عميس، قال عمر الحبشية هذه، البحرية هذه؟! قالت أسماء: نعم. قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم، فغضبت، وقالت: كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة ،وذلك في الله وفي رسوله صلى الله عليه وسلم، وايم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ؛ ولا أزيد عليه. فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله؛ إنّ عمر قال: كذا وكذا. قال: فما قلت له؟! قالت: قلت له: كذا وكذا. قال ليس بأحق بي منكم؛ وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان. قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالاً يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو بردة: قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني". (رواه البخاري 4231، ومسلم 2503).
والشاهد أن أسماء رضى الله عنها كانت في حديثها تتأسى على ما فاتها من مجالس النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بقولها : كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم
إنّ الإيمان واليقين ليس نتاج معرفة مجردة، أو اقتناعات تتشكل ثم تكون آخر العهد بمن يحملها.
إنّ النفوس البشرية تعيش في الدنيا وتخالط الهموم والأشجان، وتتعرض للمؤثرات والصوارف.
فلئن كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون أنّ معايشة الأهل وملاعبة الصبيان كانت تنسيهم ما كانوا يلقونه من النبي صلى الله عليه وسلم فماذا نقول عن واقعنا؟
يمسي كثير من الناس ويصبحون وجل أحاديثهم حول الدنيا والتجارة والمال، وارتفاع الأسهم وانخفاضها، ونمو العقار وكساده.
ناهيك عما حرم الله من الغناء الماجن، والمشاهد المخلة، وما يعيشه البعض من إدمان التعامل مع وسائل إعلام هابطة تهدم الفضيلة وتذكي الرذيلة، ومع ذوبان كثير من الحواجز بين المجتمعات.
وحين يتعرض الناس لهذه المؤثرات سواء ما يتصل منها بالإفراط في المباح فيقف بأصحابه حول دائرة الحمى المأمورين باجتنابه، أو ما يصل بأصحابه إلى دائرة الحرام.
حين يتعرضون لذلك فهم بحاجة لما يعيد إليهم التوازن، بل قبل ذلك هم بحاجة لبناء نفوسهم وإيمانهم.
إن النفوس التى تعيش في هذا الواقع بحاجة إلى أن تبنى بحاجة إلى أن يبنى الإيمان فيها حتى يكون قادر على مقاومة هذه المؤثرات ومواجهتها ولهذا يوصى صلى الله عليه وسلم بتعاهد الإيمان ومراجعة النفس
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب الخَلِق، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم". (أخرجه الحاكم في المستدرك 1/45، كتاب الإيمان، حديث 5. وقال: ورواته مصريون ثقات، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن).
وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلاميذهم من التابعين يعنون بمجالس الإيمان وما يقربهم إلى خالقهم عز وجل.
عن علقمة: "أنه كان يقول لأصحابه: امشوا بنا نزدد إيماناً". (رواه ابن أبي شيبة في الإيمان (104).
عن الأسود بن هلال المحاربي قال: "قال لي معاذ: اجلس بنا نؤمن ساعة، يعني نذكر الله". (رواه البخاري في الإيمان تعليقاً، وابن أبي شيبة في الإيمان 105، واللفظ له).
وعن الأسود بن هلال المحاربي قال : "كان معاذ يقول للرجل من إخوانه: اجلس بنا فلنؤمن ساعة ، فيجلسان فيذكران الله ويحمدانه". (رواه ابن أبي شيبة في الإيمان 107).
وعن بلال بن سعد أنّ أبا الدرداء قال: "كان ابن رواحة يأخذ بيدي، ويقول: تعال نؤمن ساعة، إنّ القلب أسرع تقلباً من القدر إذا استجمعت غلياناً". (أخرجه ابن المبارك في الزهد 1/ 490، رقم: 1395).
إن المتربين بحاجة إلى أن يعيشوا حديث الإيمان أن يعيشوا مجالس الإيمان في منازلهم في المناسبات الخاصة والعامة في فصولهم الدراسية في استماعهم لخطيب الجمعة في تعاملهم مع وسائل الإعلام وهم يقرءون أو يسمعون أو يشاهدون حينما يتعامل الناس مع هذه الوسائل حينما يتعاملون مع حديث يقرءون أو يطلعون عليه أو ينظرون إليه أو يستمعون وينصتون فهم بحاجة إلى ما يحرك الإيمان في قلوبهم بحاجة إلى ما يبنى الإيمان ابتدأ وبحاجة إلى ما يقويه وبحاجة إلى ما يجدده في القلوب والنفوس وبخاصة في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن وزادت الصوارف.