إنه مهما خوف الناس وبعث في قلوبهم الرعب برقابة البشر فهي تسقط أمام رقابة الذات ورقابة الله وما تغيرت الحياة وحدث البلاء ووجدت الخيانة وانتشر الظلم إلا يوم ضعفت رقابة الله في قلوب البشر، وكان لذلك أسباب نعرج على جزء منها وإذا عرف السبب بطل العجب وإذا عرف الداء سهل الدواء فدونك إياه _جعلني الله وإياك ممن يتقيه ويخشاه_ :
1 – السرف ومجاوزة الحد في ملاذ الدنيا:
وكل ذلك يؤدي إلى سيطرة الشهوات والانغماس في ملاذ الدنيا وكل همه كيف الحصول على أكبر قدر من المال وأعلى المقامات والدرجات بغض النظر أمِن حلال أم من حرام والنتيجة نسيان مراقبة الله.
2 – فضول الطعام:
وقد أدرك السلف ما يصفه السرف قالت عائشة _رضي الله عنها_: أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشبع فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم فضعفت قلوبهم وجمحت شهواتهم.
3 – قلة تذكر الموت والدار الآخرة:
فكل ذلك يؤدي إلى نسيان الله وعدم مراقبته وضعف العزيمة بل يؤدي إلى الانقطاع والفتور
4 – التقصير في عمل اليوم والليلة:
كالنوم عن الفرائض والنوافل والرواتب وتلاوة القرآن والذكر والدعاء مما يؤدي إلى خلو القلب من ذكر الله ومراقبته.
5 – الوقوع في المعاصي والسيئات لا سيما صغائر الذنوب مع الاستهانة بها:
"وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ" (الشورى:30)، وأي مصيبة أعظم من نسيان الله ومراقبته، قال _صلى الله عليه وسلم_: "إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه..." رواه أحمد،
إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب ونزع واستغفر صقل منها ، وإن زاد زادت حتى يغلف قلبه ، فذلك الران الذي ذكر الله في كتابه { كلا بل ران على قلوبهم } الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 3141
خلاصة حكم المحدث: حسن
6 – صحبة المسرفين وذوي المعاصي والذنوب:
لا شك أن لأصحاب المعاصي آثار على غيرهم وأي أثر أعظم من أن ينسوه مراقبة الله، وصدق الله إذ قال في كتابه عن حال بعض القوم متحسرين "يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً" (الفرقان:28، 29).
7 – التهاون مع النفس واتباع الهوى:
يغلق على العبد أبواب الخير والهدى فالنفس البشرية تحب التفلت وعدم التقيد تحب التمرد والتطلع إلى الشهوات والانغماس في الملذات فهي تنسيه مراقبة الله والانقياد لأوامر الله.
8 – كثرة الخلطة والاجتماع والضحك والأكل والنوم:
فالاجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت مضرته أرجح من منفعته، وأقل ما فيه أنه يقسي القلب ويفسده ويضيع الوقت ويهدره وكما قال أحد السلف: إن من صفات القلب السليم الابتعاد عن كثرة الأنام أي خلطتهم وكثرة النوم والأكل والضحك.
فالإفراط في المخالطة يحول بين المرء ومحاسبة نفسه والخلوة بها والنظر في أمرها وكثرة الضحك تقضي على مادة الحياة في القلب،
لقاء الناس ليس يفيد شيئاً *** سوى الهذيان من قيل وقال
فأقلل من لقاء الناس إلا *** لأخذ العلم أو إصلاح حال
9 – قسوة القلب:
وكان الثوري يقول أقلل من معرفة الناس ولا أجالس إلا عالماً فطناً أو صالحاً أو صديقاً لا بإكثار يقسو ويجمد بل يصبح كالحجارة أو أشد قسوة وحينها يتقطع صاحبه عن مراقبة الله والبر والطاعات "فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ..." (الزمر: من الآية22).
فالحرمان كل الحرمان في قسوة القلب وبعده عن الله حرمان وأي حرمان لمن قسا قلبه وتحجر فؤاده فلا قلب يخشع ولا عين تدمع.
من ذا يعيرك عينه تبكي بها *** أرأيت عيناً للدموع تعار
أعوذ بك اللهم من قلب لا يخشع وعين لا تدمع.