::
نبدأ بالتعريف بنبي الله شعيب عليه السلام :
نسبه ووفاته
فهو : شعيب النبي العربي من بني مدين من نسل إبراهيم كان بعد هود وصالح وقبل أيام موسى بقليل .
اختلف الناسبون في اسم أبيه وجده فقال بعظهم هوابن نوفل بن رعبيل بن مربن عنقاء بن مدين .
وقال المسعودي كان لسانه العربية وفهم بعض المفسرون من الايه على لسان قومه ((( وإنا لنراك فينا ضعيفا )))
"مغاير شعيب " أو " مدائن شعيب " ويطلق عليها كذلك ( مدين ) وهي تلك البقعة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم .
قال الله تعالى في سورة هود بعد قصة قوم لوط :{ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ( هود 84 ).
وتقع ( مغاير شعيب ) في محافظة البدع وهي إحدى محافظات منطقة تبوك و تبعد 225 كم إلى الشمال الغربي منها وتقع مابين خطي طول 30 ـ 34 ,30 ـ 35 شمالا وخطي عرض 00 – 28 , 00– 29 شرقا .
كانت مغاير شعيب مستوطنة زراعية من عام 100 ق. م حتى عام 550 م حين أجبرت عشرون سنة من الجفاف سكانها من الأنباط على الانتقال شمالاً للهلال الخصيب .
وتصف وكالة الآثار والمتاحف الموقع بأنه « واحة » قديمة سماها بطليموس بالعيينة ، ترجع إلى العصر النبطي كما يوجد بها موقع لمدينة قديمة من الفترة الإسلامية الباكرة تعرف باسم ( الملقطة ) .
والبدع واحة قديمة تقع في نهاية وادي عفال وقد ذكرها بطليموس باسم "عينونة القبور" والبلدة دليلاً على الوجود المستمر لعدة أمم في عصور مختلفة .
ويمكن الوصول إلى البدع من تبوك عبر شاطئ شرما الجميل وهو طريق مختصر يمر عبر أكثر من مرتفع جبلي وإما عن الطريق الساحلي المحاذي للبحر الأحمر وكلاهما طريق جبلي يتخلله بعض المرتفعات الجبلية التي تجمع بين الصعوبة لاسيما طرقها الجلية والجمال الذي يتمثل بالصنع الرباني المتقن فمناظر الجبال المرتفعة التي تعلو بطون الأودية لاشك انه منظر ياسر الألباب وإما عن الطريق المؤدية الى مركز البئر ومنها إلى الشرف ثم مركز البدع موقع الأثر وعلى الزائر أن يقطع مسافة تقدر بـ 225 كم تقريبا .
و البدع تقع بين حقل ومقنا والوقعتان على ساحل البحر الأحمر ولكن البدع ليست كذلك حيث تبعد عن البحر قرابة 45 كيلو متر وعموما البدع معظمها يتكون من سلاسل جبلية في الجزء الشمالي من الدرع العربي أما الجزء الغربي فهو سهل ساحلي ضيق يمتد بمحاذاة خليج العقبة .
وكان أهل مدين أهل تجارة وزراعة ، إلا أنهم كانوا يتعاملون مع الناس بالغش والخداع، فهم يأخذون بالزائد حين يستوفون أكثر مما يستحقون، وإذا باعوا وكالوا للغير ينقصون ويطففون فكان شعيب عليه السلام ينهاهم عن ذلك ويحذرهم من الغش والتطفيف فلم يسمعوا له ..
قال تعالي : { قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ } هود87
ويذكر أهل المنطقة أن سبب تسميتها بالبدع نظرا لبديع جمال الموقع وكثرة الأشجار الخضرة فيه باستمرار وفي وقتنا الحاضر تشتهر البدع بالزراعة الموسمية مثل المنجا والليمون والبرتقال وكذلك الطماطم إلا أن آبار البدع القديمة جفت من ستين عاما تقريبا على قول أهل المنطقة وحفر الأهالي أبارا بديلة عنها و( مغاير شعيب ) واحة قديمة بها قبور منحوتة في الصخور ترجع إلى العصر النبطي كما يوجد بها موقع لمدينة قديمة وموقع آخر لمدينة من الفترة الإسلامية المبكرة يعرف باسم ( الملقطة ) .
ومدائن شعيب بالبدع هي مغاير جبلية منحوتة بالصخر تشبه إلى حد كبير مدائن صالح وان كان بعض المهتمين قاربوا بينهما تشابها ويحميها الآن شبك من الحديد ويقوم عليها حارس إلا أن عوامل التعرية الطبيعية أدركت منها الشئ الكثير علاوة على من لا يعرفون للأثر قيمة .
وقد وصف علامة الجزيرة حمد الجاسر - رحمه الله - البدع ( مغاير شعيب ) بقولة " هي عبارة عن واحة قديمة بعث الله فيها نبيه شعيب إلى قومه مدين وان البدع تقع في ارض مدين وان اسم الأيكة لا يزال يطلق على واد النمير رافد وادي عفال " ، وأضاف الجاسر ومن أبرز المعالم الأثرية فيها الواجهات النبطية بالمغاير حيث كتبت عليها الكثير من النقوش اللحيانية والنبطية كما يوجد بها موقع لمدينة قديمة من الفترة الإسلامية المبكرة تعرف باسم ( الملقطة ) .
ويقول اليعقوبي في وصف مدين مدين مدينة قديمة عامرة بها العيون الكثيرة والأنهار المطردة العذبة والأجنة والبساتين والنخل وأهلها أخلاط من الناس .
وقد وردت قصة مدين في القرآن الكريم في عدة سور، منها: سورة هود، وسورة الأعراف، وسورة الشعراء.. وغيرها كما ورد أن قبيلة مدين هم أصحاب الأيكة أيضاً وذكر المفسرون أن الأيكة التي وردت في قوله تعالى : { كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ } هي شجرة كبيرة حولها غيضة أي أشجار كثيرة ملتفة تشكل ظلالاً وارفة ، والماء يجري تحتها ، وشعيب نبي عربي عاصر إبراهيم علية السلام وآمن به يوم احرق بالنار وهاجر معه , وكان أهل مدين كفار يقطعون السبيل ويخيفون المارة ويطففون في الميزان فيأخذون بالزائد، ويدفعون بالناقص قال تعالى: { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } الأعراف85 ويعبدون شجرة الأيكة لذلك أرسل الله سبحانه وتعالى إليهم شعيبً حاول عليه السلام هدايتهم وتركهم ما يفعلون من الشرور فلما يئس منهم ومن دعوتهم استنصر ربه عليهم ويذكر انه أصابهم حر شديد ومنع الله عنهم الهواء سبعة أيام فكان لا ينفعهم مع ذلك ماء ولا ظل ولا دخولهم في الأسراب فهربوا إلى البر فأظلتهم سحابة ضنوها تقيهم حر الشمس فاجتمعوا تحتها ليستظلوا بظلها فلما تكاملوا أرسلها الله ترميهم بشرر وشهب ورجفت بهم الأرض رجفا شديدا وزلزلت تحت أقدامهم واهتزت اهتزازا وماتوا جميعا إلا شعيب ومن معه وجاءتهم صيحة من السماء فأزهقت الأرواح فأصبحوا في دارهم جاثمين , رحل شعيب ومن معه من المؤمنين إلى مكة ومات هناك وقبورهم غربي الكعبة بين دار الندوة ودار بني سهم قال تعالى : {وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ , فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ , الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ , فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ } الأعراف90-93 .
و تحتضن مدين أو مغاير شعيب آثار لاتقل أهمية عن مدائن صالح في الحجر بل هي توأمها وهي واحة قديمة منحوتة بالصخر لها واجهات تعود للحضارة النبطية ويعرف علماء التاريخ والحضارة ودارسي الآثار مدى ما بلغته حضارة الأنباط من ازدهار وتطور في ذلك العصر كما يوجد بها بقايا لمدينة قديمة تعود للفترة الإسلامية المبكرة تعرف - بالملقطة - وهو مكان المدينة الإسلامية على جهة الشرق من وادي عفال الشهير وبالتالي فان مغاير شعيب تكون على الجهة الغربية لذات الوادي وعلى الضفة الشرقية توجد ( بئر موسى ) أو ماء مدين ومدائن شعيب معلم تاريخي يعود إلى ما قبل رسول الله موسى وفي هذا المكان نزل عذاب الله بقوم بخسوا الناس اشيائهم .
والدخول إلى مغاير شعيب يكون عبر أبواب منحوتة في الصخر فالموقف صعب والمكان موحش مكان عذب الله به قوم عصوه بالرغم أنهم بلغوا من العلم والمعرفة الشئ الكثير فلا غرو أن يصفهم بعض علماء الهندسة و طلاب العلم بأنهم مهندسو عهدهم عندما اختاروا الجبال فتفننوا فيها رسما وحفرا ونقشا وعمروها بل اختاروا أعاليها برعوا وأبدعوا وصمموا ثم نفذوا وسكنوا والمغاير كهوف منحوتة داخل الجبال بطريقة هندسية رائعة تنم عن حضارة قديمة وهي بيوتا منحوتة داخل الجبال وداخل هذه البيوت غرف مفصلة تفصيلا دقيقا كما شيدوا لها مقابر داخل البيوت المنحوتة وهذه المقابر منفصلة عن البيوت ورسمت بعض النقوش والزخارف الإسلامية بطريقة هندسية جميلة وعريقة والملاحظ أن نحت البيوت يأتي من ناحية سفوح الجبال المائلة وينحتون الجبال بطريقة عكسية حتى إذا جاءت الأمطار لا تدخل إلى الداخل كما تم اختيار هذه البيوت في مواقع مرتفعة عن خطر السيول لوقوع البدع ( مدين ) في وادي عفال أكبر أودية المنطقة طولا واتساعا وكثيرة هي روافده وما يتبعه من أودية وشعاب وهم أدركوا ذلك حينها .
تدرك حينئذ انك أمام حضارة وصلت إلى القمة تعاملوا مع الحجارة الصماء وطوعوها كيفما شاءوا فهذه الجبال القاسية الصخرية جعلوا منها سكنى لإحيائهم وقبورا لأمواتهم حيث نحتت هذه القبور في الجبال الصم بشكل هندسي واحد فريد من حيث الشكل العام، وهي متقاربة المساحة في بعض الأحيان ثم أن هناك تعدد للأجساد في القبر الواحد واستدل على ذلك بوجود أجزاء منحوتة على جوانب القبر في أبعاد مختلفة وهي منحوتة بشكل طولي ، وهناك أحجام صغيرة ربما تكون للصغار السن ، وهناك شبه كبير بين تلك الموجودة في محافظة البدع ومدائن صالح في مدينة العلا ، _ألا أن مدائن صالح أكثر صلابة من مدائن شعيب وربما يعود هذا إلى نوع الحجارة _ ولكن هيهات !!! كان الله لهم بالمرصاد أصبحت أجسادهم ومعاشهم أثرا بعد عين ومساكنهم أصبحت شاهدا عليهم .
ويوجد ثلاثة جبال فيها ما يقارب 12 بيتا منحوتا وهي عبارة عن مقابر جماعية منحوتة في تكوين صخري جبلي متوسط الارتفاع على البعض منها زخارف جميلة بالإضافة إلى أن هناك منحوتات منها ما استخدم للسكن أو لأغراض أخرى هذا بالإضافة إلى النقوش .
ومدين قديماً أو البدع حاليا يميزها وجود تجويفات واسعة منحوتة داخل الصخور، وكل تجويف يشبه القبة من الداخل ، وهذه التجويفات تكثر في جبلين متجاورين وذلك ضمن أربعة جبال متوسطة متصلة ببعضها وتشكل هذه الجبال الأربعة بما يشبه نصف الدائرة .
وعلى صعيد الدراسات المحلية حظيت منطقة البدع بعناية خاصة منها الإدارة العامة للآثار بوزارة التربية والتعليم ( وزارة المعارف سابقا ) فمن هذه الجهود يذكر عبد الفتاح الريس مؤلف كتاب البدع في الطبعة الأولى 1423 هـ من سلسلة ( بلادنا ) انه وقف على هذه الآثار المنحوتة بنفسه في الجبال الغربية لواحة البدع ( ووجد أنها أضرحة متباينة في اتساعها وشكلها العام وهي من الداخل أشبه ما تكون بالمربع غير المنتظم في معظمها أما من الخارج فشكلها العام متشابه إلى حد كبير حيث يظهر على معظم واجهاتها بعض أشكال الزخرفة على هيئة مثلثات متدرجة من جوانبها لصف أو صفين أعلى كل واجهة في حين يضم كل ضريح منها عدد من القبور يصل بعضها إلى ( 13 ) قبراً بطول سبعة أقدام وعرض غرف صغيرة لا تزيد مساحتها عن ( 3×2م ) وفتحات غائرة في الجدران بعمق 2 م وعرض متر واحد وارتفاع 2 م تقريبا في عدد منها ربما تكون لتخزين بعض الأثاث الجنائزي الخاص بموتاهم 0
ويضيف الريس بالنسبة لمداخل هذه الأضرحة وأبوابها فإن معظمها مهشم ومتـآكل جزئياً أما بسبب عوامل التعرية نتيجة لمرور آلاف السنين على نحتها من قبل أصحابها الأنباط أو بسبب أيد عابثة في وقت لاحق والمؤلف يذكر انه لم يشاهد أي شيء من رفات أولئك القوم في أي من هذه القبور كما أشار إلى ذلك بعض المؤرخين ويبدو أن رفاتهم تآكل مع طول السنين أو أزيل بأي شكل من الأشكال 0
ومن الناحية الدراسية والبحث العلمي التي أجريت على المغاير فقد قسم الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري والفريق المشارك معه اللذين أجرو دراسة طبعت في كتاب البدع تاريخها وأثارها حيث وصفوها بمقابر جماعية منحوتة في تكوين صخري جبلي متوسط الارتفاع على البعض منها زخارف جميلة وقسمو المقابر إلى أربع مجموعات منفصلة .
المجموعة الأولى تضم واجهة كبيرة لمقبرة واحدة وعدد من اللحود أما المجموعة الثانية فتضم سبعة مقابر والمجموعة الثالثة تضم خمس مقابر والمجموعة الرابعة والأخيرة تتألف من ثلاث مقابر .
وقد زار المغاير العديد من الرحالة منهم :ادوارد روبل أول أوربي زارها وأشار إلى ذكرها في كتاب نشر عام 1829 م .
وكذلك الفلندي جورج اوغست فالين الملقب بــ( عبدالولي) وهو اكثر المستشرقين الاسكندينافيين شهره ، المستكشف البريطاني ريتشارد فرانسيس بيرتون (Richard Francis Burton ) وذلك سنة 1853م وقد قام بزيارة أخرى في سنة 1877م وذكر أن المدافن يطلق عليها اسم مغائر ، وقسمها إلى أربع مجموعات أولها الواقعة في الجهة الشمالية ومدافن الملوك ثم المجموعة الجنوبية والكهوف المدعمة وأطلق عليها مدينة الأموات أما ما يقابلها فسماه مدينة الأحياء وكذلك المكتشف والمستشرق النمساوي الشهير الويس موسل ( Alois Musil) الذي وقف عليها ووصفها وصفا دقيقا و نشر عشر مخططات للمقابر ، بالإضافة إلى عدد من الرحالة منهم بوركهارت، وتشارلز دواتي، واوغست والن، وتشارلز هوبر، ويوليس اويتنج، واليدي آن بلنت، والفرنسيان جوسين وسفنياك، والالماني موترز، ورتشارد بورتن وألوس موزل وغيرهم .
كما زار مغاير شعيب الرحالة المستشرق الانجليزي هاري سنت جون فيلبي والذي عرف فيما بعد بــ (( الحاج عبد الله فيلبي )) مرتين احدهما 1953 م بعد 30 سنة من زيارة الرحالة موسل ويعد من أدق وأفضل من وصفها وصفا دقيقا يقول : ( فبالإضافة إلى عظمتها فإن المرء يجد لها طابعاً مميزاً وهي الصخور التي حفر فيها معظم هذه الآثار وأحسن ما يمكن أن توصف به قولنا " إنها صخور رملية متآكلة تحوي على مواد جيرية صلدة وثابتة اللون وإنه ليبدو مذهلاً أن هذه الصخور بالرغم من تقلب عوامل الجو كالرياح والمطر والشمس عليها آلاف السنين فقد قاومتها وجعلتها عاجزة عن محو فن المعمار النبطي المتعلق بالحياة محواً تاماً ) معلقاً على هذه المقابر التي غالباً ما يطلق عليها البعض خطأ مسمى مغاير شعيب نسبة للنبي شعيب ورأى انها أضرحة وصنفها إلى أربع مجموعات جعل الضريح الكبير منها يحتل المركز الأول فيما يضم هذا الضريح عدة فتحات أما المجموعة الثانية التي تقع في ناحية أخرى من هذه المرتفعات فتشمل على سبعة أضرحة مختلفة الارتفاعات ولها واجهات في حالة متفاوتة من الخراب وإلى جانب السقوف ومداخلها مجموعات من أكوام الأنقاض والأتربة وعدد من القبور يصل عددها ما بين (1-9) في كل ضريح 0
أما بالنسبة للمجموعة الثالثة فيذكر فيلبي بأنها أحسن من سابقتها وتتميز أضرحتها بوجود نتواءات لزخارف مدرجة في ثلاثة منها واثر ظاهر لتاج عمود كورنثي الطراز في الضريح الرابع وتاج عمود من طراز نقوش البتراء في الضريح الخامس بالإضافة لعدد من القبور والنقوش الجنائزية على الحائط الداخلي لكل منها أما المجموعة الرابعة والأخيرة فتتألف من ثلاثة أضرحة أحدها قد فقدت واجهته الخارجية وتبلغ مساحته (11) قدماً مربعاً وهذه المجموعة تضم خمس مدافن في كل جدار بعمق (6) أقدام وعرض ( 5) أقدام وارتفاع (5) أقدام في حين يظهر على باب الضريح الأساسي ضمن هذه المجموعة نقوش متداخلة على شكل أقواس فيما يبلغ عمق هذا الضريح من الداخل (15) قدما وعرض (12) قدما وعلو سقفه عن أرضه (7) أقدام كما توجد به نافذة تقود إلى غرفة صغيرة عرضها ( 9) أقدام بارتفاع (5.5) قدما تحتوي على عدد من القبور المصفوفة على طول الجدار الخلفي للضريح ما عدا زوجين منها عند المدخل يصل طول الواحد منها إلى (7) أقدام وعرض ( 2.5) قدم وهذا الوضع ينطبق إلى حد ما على الضريح الثاني باختلاف بسيط يكمن في أن القبور عن مثيلاتها الأخرى وهو يفضي إلى الفسقية الداخلية بالإضافة إلى وجود قبرين آخرين في جهة المدخل الرئيسي وثلاثة أخرى أيضاً مقابل الحائط الخلفي0
ويذكر فيلبي انه يوجد ما يقل قليلا من ثمانين قبرا منتشرة في حوالي عشرين ضريحا من النوع النبطي في منطقة مغائر شعيب ويستدرك فيلبي بقوله مع إدراكنا لحقيقة أن الناس العاديين قد دفنوا في قبور عادية وأن الأضرحة كانت مقصورة على الأسر الحاكمة والنبلاء والوجهاء من كبار حكام الأنباط فإن هذا العدد لا يوحي بكثرة في عدد السكان الأنباط أو في المقابل طول مدة حكمهم في مدين 0
ويؤكد فيلبي أن هذه القبور كلها قد نبشها اللصوص بحثا عن الأشياء الثمينة وكان بعضها مملوءاً عن أخره بالعظام بينما كان من الواضح أيضاً أن البعض الآخر قد تم تنظيفه لاستخدامه من قبل الإنسان أو للأغنام وكانت هناك بعض بقايا من الخشب متناثرة في المكان والتي ربما كانت بقايا التوابيت والقبر الثاني كان في معظم الأحوال مشابها للأول بالرغم من أن كليهما كان له إفريز فيه خمس قباب ( برج ) واثنتان فقط من أنصاف القباب ( الأبراج ) وكان فيه ضريح داخلي مثل الآخر ولكنه في وسط الجدار على الجهة اليمنى والمدافن مرتبة بالعرض على الجدار الأيسر خمسة منها بممر طوله أربعة أقدام يفصلها عن خمسة مدافن طولية على كلا جانبي الممر المؤدي إلى الضريح الداخلي واثنان على جانب المدخل الرئيس وثلاثة أخرى على الجدار الخلفي ويعتقد فيلبي أن هذين القبرين يمكن عدهما بقدر معقول من الثقة ضمن قبور الملوك 0
ويرجح فيلبي أن القسم الشمالي من منطقة الآثار كان مستوطنة للفقراء وربما الحرفيين والعمال من أنحاء المنطقة أما القسم الجنوبي الذي يمتد بالتوازي مع واحة مليحة في قاع الوادي فيتمتع بمظهر متميز وفخم ولا شك أنه كان مركزا لطبقات المترفين والحكام ويحتمل أن يكون القسم الأوسط هو المقر التجاري والسوق الذي يتمركز على الخزان المائي ، إلا إن ما يدهش فيلبي في مثل هذه الظروف أن الريح والمطر والشمس على مدى ألفي عام لم تمح تماما هذه الهندسة المعمارية الجنائزية للأنباط في هذا المكان .
من جانب آخر أشار باحث الآثار بمنطقة تبوك يعرب بن حسن العلي الى أن محافظة البدع أو مدائن شعيب عليه السلام والتي لا تبعد عن منطقة تبوك كثيرا إذ يمكن الوصول إليها بظرف الساعتين وهي عبارة عن كهوف منحوتة داخل الجبال بطريقة هندسية رائعة تشير إلى حضارة قديمة وهي بالتالي بيوتا منحوتة داخل الجبال وداخل هذه البيوت غرف مفصلة تفصيلا دقيقا كما نحتت مقابر داخل البيوت المنحوتة وهذه المقابر منفصلة عن البيوت ورسمت بعض النقوش والزخارف الإسلامية بطريقة هندسية جميلة وعريقة والملاحظ أن نحت البيوت يأتي من ناحية سفوح الجبال فكانوا ينحتون الجبال بطريقة عكسية حتى إذا جاءت الأمطار لا تدخل منازلهم كما نلاحظ حسن اختيار في هذه المنحوتات إذ تم اختيار هذه البيوت في مواقع مرتفعة عن خطر السيول لوقوع البدع في وادي عفال أكبر أودية المنطقة طولا واتساعا وما يتبعه من أودية وشعاب كما يلاحظ حسن اختيار مواقع هذه البيوت بالجبال وليس بالسهول لأهمية إستراتيجية آنذاك، ورغم تقلبات الجو كالرياح والأمطار والشمس على هذه الآثار إلا أنها مازالت صامدة ضد عوامل التعرية الطبيعية فسبحان الله الذي الهم كل شئ .
ومن جهة أخرى أكد مدير الآثار والمتاحف في البدع عبد الرحمن العطوي لوكالة الأنباء السعودية أن الهيئة العامة للسياحة والآثار سوف يكون لها عن قريب مركز للزوار في المغاير تقدم لهم الملومات الوافية والدقيقة كما سيتم توفير العديد من المواد الإعلامية مثل الكتب والمطبوعات الإرشادية والمطويات التعريفة والبروشورات الدعائية لجعل مدائن شعيب من المقاصد السياحية الأثرية المهمة على خارطة الآثار السياحية في المملكة بالإضافة إلى تطوير مغاير شعيب التاريخية من اجل التعريف وإرشاد الأفواج من السياح والزائرين الذين يأتون لهذا الموقع الأثري.
وحول عداد الزائرين أشار العطوي إلى أن زوار المدينة الأثرية مغاير شعيب في تزايد مستمر وأن يومي الخميس والجمعة من أكثر الأيام ازدحاما لكونهما عطلة رسمية تتيح للمواطن والمقيم على حد سواء القدوم من مختلف مناطق المملكة كالرياض وجدة وباقي مناطق المملكة أما باقي أيام الأسبوع فيتواجد أبناء المناطق القريبة خصوصا الشمالية وحول معدل تدفق الزوار إلى الموقع في اليوم الواحد أفاد انه لا توجد في الوقت الحاضر إحصائية دقيقة لكن الوفود السياحة تتواصل باستمرار وبأعداد كبيرة .
وأضاف العطوي أن للبدع ماض تاريخي عريق وسوف تكتسب أهمية اقتصادية وتاريخية وسياحية في آن واحد إذا ما استغلت سياحيا لاسيما أن البدع من المواقع ألأثرية النادرة التي لأتقل بأي حال عن مدائن صالح في الحجر وكما هو معروف أن منازل قوم شعيب تمتد من خليج العقبة وحتى أملج مرورا بموقع البدع التاريخي والمعروف أن البدع هي مركز مدين القديمة وقلبها النابض بالحياة والحركة التجارية والتي تعنيها كتب التاريخ وتمتلك البدع أو مدائن شعيب مقومات سياحية تاريخية مهمة و بالتالي هي وجهة اقتصادية سياحية لأهالي تبوك وزوار المنطقة على حد سواء هذا بالإضافة إلى أنها منطقة زراعية حيث تشتهر البدع بالزراعة الموسمية بالإضافة إلى ما تمتلكه هذه المدائن من آثار وحضارات قديمة وهي كسائر مدن ومحافظات بلادنا تعيش اليوم حاضراً مشرقاً فهي مدينة سياحية بما تحتضنه من أثار وهي أيضا وجهة وزراعية وتجارية تمتلك الطبيعة البكر وتحيط بها الجبال المرتفعة .
وتمتلك البدع العديد من الآثار والمواقع ذات الأهمية التاريخية ومن أهم هذه المواقع :
موقع الملقطة : يتكون من تلال أثرية تمثل بقايا البلدة التي كانت مزدهرة بالواحات في الفترة الإسلامية المبكرة ويتميز ضمن بقية المدن الإسلامية المبكرة بوجود نقوش وكتابات تزيينية وقد عثر بالموقع على نقش يتضمن آية الكرسي وسورة الإخلاص محفورة بخط كوفي مورق على لوح من الرخام الأبيض عثر عليه في مزرعة بطرف الموقع الأثري وربما كان مثبتاً في الأصل على جدار بأحد المنازل أو في مكان عام 0
كما توجد في البدع إلى جانب ذلك كله بركة وساقية تعود إلى العصر المملوكي وأخرى قديمة تتصل بموقع الملقطة الأثري يرجع تاريخها إلى العصور الإسلامية المبكرة أما البركة المملوكية فقد بنيت على مقربة من بئر السعيدني وهي بئر قديمة محفورة في الصخر تماثل الآبار النبطية التي اشتهرت في المصادر الإسلامية باسم بئر موسى وبين هذه البئر والبركة المملوكية توجد قناة طويلة تنتهي من جهة البئر بحوض تصب فيه ساقية مبنية من الأجر تدار بالدواب لرفع الماء من البئر وقد وصف الجزيري هذا المورد وصفا دقيقاً عندما وقف عليه في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري (16م) بقوله ( والمغارة بالجبل يتحصل بها الماء من الأمطار وكان موردها في القديم للوفد بئراً بساقية وفسقية وطبقة بقبة وبه منفذ صغير ثان من جانب الساقية والساقية بالطوب الأحمر وبئرها واسعة المقدار ولها حظير مبني بالآجر ، وبالساقية بيت لخزن التبن ومحل للسواقي وتجاه ذلك بناء بالآجر شبه مسجد .
إلا أن هناك مواقع أثرية أخرى لا تقل أهمية هي الأخرى عن ما ذكر في منطقة البدع منها:
مواقع العصور الحجرية :
-مصير الخراج ويقع إلى الغرب من طريق ضباء .
-شعيب النخلة وهو موقع وجد على سطحه أدوات حجرية وقطع فخارية ترجع إلى أزمنة متأخرة .
-عريق اليسري ويقع إلى الشرق من المويلح وتوجد على سطحه أدوات حجرية ضاربة في القدم .
-الجش (مصيون) يقع إلى الشمال الغربي من مدينة تبوك على مسافة 190 كيلو متر .
-جبل حيفا جنوب غرب من اثأر جبل اللوز .
-ابا البيـبان وتقع بالقرب من مركز بجده .
ثانيا مواقع العصور التاريخية :
-موقع المقابر ( مغاير شعيب ) .
-التلال القريبة من المقابر .
-المدينة النبطية ( المالحة ) .
-البرج .
-المدينة الإسلامية ( الملقطة ) .
-مغاير الكفار .
-الديسة .
-أبار البدع .
المالحة :
يتكون من تلال أثرية كبيرة تمثل بقايا منطقة سكنية ترجع إلى عصور ما قبل الإسلام0
وهو موقع أثري يقع شرق مغائر شعيب، تنتشر فيه بقايا الأواني الفخارية القديمة الضاربة بالقدم إلى زمن قوم شعيب .
المدينة النبطية ( المالحة ) وتقع على الضفة الغربية لوادي عفال يتكون من تلال أثرية كبيرة تمثل بقايا منطقة سكنية ترجع إلى عصور ما قبل الإسلام .
-الرديدة أو ( متنة الرديدة ) تقع على مسافة 6 كيلو متر إلى الجنوب من الأبدع .
-مغاير الكفار وتقع على الضفة الشرقية لوادي عفال بين بئر السعيدني والديسه .
-بئر السعيدني: وهي عبارة عن بئر غير مطوية في أرض جبلية ( محفور بالصخر )على جانب تل وبالقرب منه بقايا لثلاث برك ماء مشيدة من الحجارة المجصصة من الداخل واثأر كثيرة تشمل بركة وقنوات تخرج من البئر وأثار مساكن كثيرة وهي من أشهر الآثار بعد مغاير شعيب وان كان عامة الناس يعتقدون أن بئر السعيدني هي نفسها تلك البير التي استقي منها موسى لبنات شعيب وهذا الاعتقاد يجعلهم يطلقون عليها بئر موسى .
أما نسبة هذه البئر إلى موسى فهي قديمة متوارثة وتحول اسمها من ماء مدين إلى بئر موسى بسبب ورود الآيات الكريمة التي تقص كيف أن موسى عليه السلام ورد بئر مدين .