مِن أَكبر مشكلاتِ الناس عدَمُ إحسان الإنصات وإحسان الاستماع، فكم من أمر أسيء فهمُه بسببِ التعجُّل وعدم إحسان الإنصات والتسرُّع في الردّ وكَثرة المقاطعة. لو رَأَيتم في بعضِ الآباء والمعلِّمين والمربّين والمتحاوِرين وأمثالهم لرأيتم أنَّ همَّ أحدِهم أن يكونَ ابنه أو تلميذُه أو محاوِرُه مستَسلِمًا مُنقادًا، ليس عليه إلا الانصياع لما يقوله والاقتناع بما يطرح. عدَمُ حُسن الاستماع يؤدِّي لِسوء الفهم، وسوءُ الفَهم يؤدّي إلى ضياع الأوقات والجهودِ والأموال والعلاقات وعدَمُ إحسان الاستماع يؤزِّم العلاقات بين الآباء والأمهات والأبناء والبَنات والأزواج والمعلمين والطلاب والمسؤولين ومرؤوسيهم والعامل وربِّ العَمل، كلُّ ذلك لأنهم لا يحسِنون الاستِماع، ومن ثَمَّ لا يَفهَم بعضهم بعضًا ولا يعطي لصاحبِه حقَّ الفهم وحقَّ الاستقلال بالرأي، فكلٌّ يريد الحديثَ وفرضَ الرأي بل فرضَ الاستماع غير المفيد، والأشدُّ من ذلك والأنكى حينما يتَّبع المرء هواه ويضلّ على علم، وحينئذ يُختم على سمعِه وقلبِه، ولقد قال الله عزّ وجلّ: أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ]. ونعى الله عزّ وجلّ على الذين عطَّلوا أسماعهم فكانوا كالأنعام بل هم أضلّ: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً]. إنَّ من الصوارِفِ عنِ الاستماعِ النّفَّاع الاستهزاءَ والاستخفافَ وعَدم الاكتراث والسخرية وعدم التركيز والاضطراب النفسيّ ومقاطعة المتحدث كقولك وكلامك موصول , ولاقطعاً لحديثك وقد قطعته ومزّقته شرّ ممزق , ومسابقتَه في التنبُّؤ بما يقول وإظهار الملَل وعدم التحمل