أتينا إلى هذه الحياة ووجدنا أنفسنا مغمورين بشحنة مؤثرات، التربية البيئة المحيط الذي ترعرعنا فيه..كل هذه الأشياء بالإضافة إلى الترسبات التي تتراكم على حياتنا من صدمات ومفاجآت سارة أو غير سارة فتتكون شخصياتنا...نلتقي بشركاء حياتنا، هم أيضا لهم شخصياتهم..نريد أن نتعايش ونرغب في الحياة مع بعضنا البعض..
لكن تبقى هناك أشياء غير مقبولة في شخصية كل منا بالنسبة للآخر..قد تتغير فينا في بعض الحالات لكن في معظم الأحيان تبقى كما هي مسببة لمشاكل متعددة وإزعاجات متكررة، خاصة عندما لايقبلها أو لايتقبلها الطرف الآخر، لاسيما إن كان الزوجة .. فكيف تتعامل الزوجة مع عيوب الرجل التي تبدو أساسية في شخصيته؟ بل السؤال الأهم: هل تستطيع المرأة تغيير شخصية زوجها أو عيوبه تحديدا؟
ربما تكون العيوب التي تراها الزوجة في زوجها عادات رديئة .. أو سلوكيات سيئة .. أو اتجاهات غريبة .. وربما تعتقد الزوجة أن بإمكانها تغيير زوجها إلى الأفضل الذي تراه .. فهل يمكن حقا تغيير كل العادات أو السلوكيات أو الاتجاهات؟ بل السؤال الأكثر عملية هو: ماذا يمكن تغييره في شخصية الرجل؟ وماهو غير القابل للتغيير في شخصيته؟! هناك حقائق تحتاج أن تنظر إليها الزوجة التي تعاني من عيوب مزعجة في شخصية زوجها، وهي حقائق تستطيع بها أن توفر على نفسها مجهودات لا طائل من ورائها سوى الإحباط! كما أنها توضح لها ما يمكن أن يتغير وما لا يمكن تغييره.
احتضان العيوب .. قبل احتضان العيون!
أن تقبل الزوجة أن تعيش مع زوجها حياة مشتركة واحدة .. فهذا معناه أن تقبل وتتقبل شخصيته كما هي .. فالحب جذوره تنبع من "القبول" .. قبول الطرف الآخر كما هو.. فأن تحب إنسانا، فهذا معناه أن تقبله كما هو .. بحسناته وعيوبه .. وعندما يشعر هو بهذا القبول الكامل له .. يحاول هو بذانه أن يحسّن من عيوبه ومن شخصيته لكي يرضينا أكثر .. لكن الحب "المشروط" بشروط كثيرة مبدئية – ليس حباً .. فأن تقول الزوجة للرجل سوف أحبك إن فعلت هذا أو ذاك .. فهذا ليس حباً .. بل مقايضة .. الحب بداية التغيير للآخرين .. بالقبول "غير المشروط" لهم .. بشخصياتهم وعيوبهم وضعفهم لدرجة أن نحتضن تلك العيوب ونتعامل معها بالحب لكي تتحول إلى محاسن! وليس فقط أن نحتضن العيوب في رومانسية كاذبة سرعان ماتسقط عند أول اصطدام بعيوب بعضنا البعض.
تغيير الآخرين .. السهل الممتنع
من أصعب الأمور التي يمكن أن تواجه شخصاً هو محاولته تغيير إنسان آخر .. إلا إذا أراد ذلك الإنسان تغيير نفسه.. إذ إن الإرادة الذاتية في التغيير هي الفيصل في الأمر، وإلا، فهناك مقاومة داخلية تنشاً مباشرة داخل الزوج عندما "يشعر" بمحاولة ما من زوجته لتغييره! وتتصاعد تلك المقاومة لتصل إلى حد"العناد" .. فتوصد الباب أمام أي محاولة من الزوجة في تغييره، مهما كان حجم صدق تلك المحاولة! هكذا الإنسان بطبيعته النفسية وتركيبته المتشابكة. لذلك .. فتغيير الآخرين أمر صعب.. ولكنه ليس مستحيلا.. إنه السهل الممتنع .. فهناك حالات كثيرة استطاعت فيها الزوجة إحداث تغيير حقيقي في شخصية الزوج إلى الأفضل.
صفات مالحة.. وصفات صخرية!
ولكن هل كل الصفات السيئة في أي رجل تقبل التغيير؟ وماهو القابل للتغيير فيها؟ سؤال مهم، طرحناه غير مرة، لأهميته القصوى لأن معرفة الإجابة عنه بشكل شخصي لدى كل زوجة، يسهّل المهمة كثيرا.. فخبراء النفس البشرية يحددون لنا مجموعة من الصفات في الرجل قد تقبل التغيير وأخرى لا تقبل التغيير. تلك الصفات القابلة للتغيير يمكن وصفها بأنها صفات "مالحة" .. أي قابلة للذوبان بل سريعة الذوبان والاختفاء تدريجيا من الشخصية..
وهناك صفات أخرى غير قابلة للتغيير يمكن وصفها بأنها صفات "صخرية" أي أنها لا تذوب في الماء أبداً، بل قد تتكون شيئاً فشيئاً داخل الشخصية وتصبح صخراً جامداً لا يلين كحجر الصوّان. وبالتالي .. فالزوجة الذكية هي من تدرك الفرق بين النوعيتين من الصفات .. كا تدرك أن هناك فروقا بين الرجال في شخصياتهم وصفاتهم .. فالصفات المالحة لدى البعض قد تكون صخرية لدى البعض الآخر .. إذ إن الأمر شخصي جدا ويحتاج إلى حكمة خاصة لدى الزوجة.. للتمييز بين النوعيتين.
أمواج الزمن.. تفتت الصفات
لايأس مع التغيير الذي ينتج عن رغبة صادقة من الزوجة تجاه رجلها.. فالمحاولات الهادئة الرصينة طويلة الأمد هي من تفلح في التغيير.. بعكس التسرع وفرض الإدارة على الزوج لتغييره بالقوة، فهذا يزيد من صلابة ردة فعله. فإن كانت هناك صفات في الرجل سلبية و"صلدة" ولاتتفتت سريعا فأمواج الزمن والصبر والانتظار والحب الدؤوب تستطيع أن تفتتها يوماً بعد يوم وعاماً بعد ...يوم وعاماً بعد عام.
أصدقاء من نوع آخر .. للتغيير
لاشك أن الإنسان في صراعه "الهادئ" لأجل تغيير شريك حياته يحتاج إلى قوة بل قوى أخرى تساعده .. وهناك بالفعل تلك القوى .. التي تمثل أصدقاء حقيقيين في هذه العملية .. هم ليسوا من لحم ودم.. بل هم قوى معنوية لكن لها تأثير هائل مادي ونفسي في الإنسان .. فالإيمان قوة هائلة تمد الإنسان ببطاريات الأمل والثقة في أن غدا سوف يكون أسعد وأفضل مع شريك الحياة .. ومعرفة عيوبه ونقائصه .. والمرونة النفسية في التعامل مع العيوب وتلافي الصدامات مع الرجل، قوة أخرى لا يستهان بها.. والواقعية قوة تدفع للتعايش مع الأمر الواقع بعيداً عن الصور الخيالية .. لأن تغيير إنسان من أصعب الأمور على وجه الأرض التي يمشي عليها الإنسان .. لكنه السهل الممتنع!