بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الطاهر الامين.
التعاون والوحدة الإسلامية وأهل الحق
قال الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}. وقال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "مثَلُ المؤمنين في توادّهم وتراحُمِهم كمثلِ الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". رواه البخاري.
إنّ التعاون والتكاتف والتضامن لا بد منها للبناء السليم للمجتمع الإسلامي. وكلما كان التعاون قائما على أوسع صورة كلما كان هذا المجتمع مبنيا بناء قويا سليما.
وإنّ نظرة واحدة في أوضاع مجتمعاتنا وفي أحوال المسلمين المتردية هذه الأيام كفيلة بإيقاظ الحس والضمير للسعي نحو المزيد من التكاتف والتآلف والتعاون.
وإنّ نظرة واحدة فيما كان عليه المسلمون الأوائل من تمسك بالشرع الحنيف وتعاون على كافة الأصعدة ووحدة في الوسائل والأهداف كفيلة بإظهار مجتمعاتهم على أنها مجتمعات مثالية قائمة على أسس سليمة لا خلل فيها.
أهمية الوحدة
ونحن اليوم إزاء ما نعانيه من تشتت وتباعد وتشرذم لا بد من إطلاق دعوة مخلصة صادقة إلى التعاون والوحدة والتماسك لأنه بدونها لن نستطيع أن نتغلب على عدونا بل أعدائنا المتربصين بنا من كل جانب والذين دبروا ويدبرون المكائد والمؤامرات لضربنا وقهرنا.
وإذا أردنا أن نستعرض الاحداث التاريخية القريبة أو البعيدة التي تدل على مدى تكالب الأعداء علينا وكثير منا غافلون لضاق بنا المجال فالأحداث والشواهد والأدلة كثيرة جدا.
وإنّ الإسلام، هذا الدين الكامل الذي لا نقص فيه ولا خلل، فيه من التشريعات ما تنتظم بها مجتمعاتنا.
والمجتمع الذي نجد فيه إغاثةَ الملهوف وإعانةَ المحتاج وإيواءَ التائه ونصرةَ المظلوم على نطاق واسع هو مجتمع تقل فيه الويلات والمآسي والمظالم.
والمجتمع الذي يجتنب أفراده على نطاق واسع "الغيبة" وهي ذكرك أخاك المسلم بما فيه بما يكرهه "والنميمة" وهي نقل القول للإفساد وغير ذلك من أسباب البلايا والخلافات هو مجتمع ينعم براحة أكبر واطمئنان أوفر وتسوده أجواء المحبة والألفة والتوادد.
ونحن في توادنا وتراحمنا وتعاطفنا مع بعضنا البعض نكون كمثل الجسد الواحد الذي إذا أصيب عضو منه بمرض صارت أعضاؤه كلها في حالة من السهر والحمى. هكذا ينبغي أن نكون متعاطفين ومتراحمين ومتكاتفين.
على أي أساس تكون الوحدة؟
يقول الله تبارك وتعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى}. إنّ الوحدة الحقيقية الثابتة ذات الدعائم الراسخة السليمة هي الوحدة القائمة على الحق ونصرة الحق وأهل الحق ومجابهة الباطل وأهله.
إنّ الوحدة الحقيقية هي الوحدة القائمة على التمسك بشرع الله والإلتزام بالأوامر الإلهية وعدم السكوت عن الباطل وكل ما هو مخالف للشريعة المطهرة.
وأما حين يكون طلاّب الوحدة كل له هدفه وطريقه وكل له نهجه الخاص وأسلوبه دون الارتكاز على ركائز سليمة، وعندما يصير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمرا منسيا عند طلاّب الوحدة والدعاة إليها فلن يصلوا إلى طلبهم إلا إذا أنكروا المنكر وأمروا بالمعروف وتناصحوا فيما بينهم.
وإذا سكت الساكت عن شىء لا ينبغي السكوت عنه فسكوته مفسدة وتضييع لجوهر الوحدة ومعناها الصحيح.
قال الله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضُهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}.
فلا ينبغي لنا أن نسكت عمن ينتهك حدود الشريعة مع قدرتنا على الإنكار ولو باللسان.
ومن كان يترك النصيحة مراعاة للخواطر والمصالح الشخصية ومن كان لا يقبل النصيحة لأنه يعتبر نفسه عالي المقام فالأولى بهم إن أرادوا الوحدة أن يتخلوا عن هذا. وقد قال أبو علي الدقاق رضي الله عنه: "الساكت عن الحق شيطان أخرس".
كما ورد في الرسالة القشيرية.
أهل الحق
ولا بد من الإشارة ونحن نتحدث عن الوحدة إلى أنّ من قطعوا على أنفسهم العهد على حمل لواء الدعوة إلى الله والإرشاد والنصيحة وسخّروا طاقاتهم وأنفسهم لخدمة المسلمين يستحقون الاحترام والتقدير مع العلم أنهم يعملون ابتغاء مرضاة الله ولا يطلبون من العباد جزاءً ولا شكوراً إنّ هؤلاء الذين أخلصوا نياتهم ويعملون لنصرة الحق ودحض الباطل يمدون أيديهم للتعاون ويفتحون قلوبهم للوحدة.
فهلاّ مد طلاّب الوحدة أيديهم لنشر جسور التعاون والتآلف والوحدة وهلاّ كف من يطلقون الشائعات والافتراءات وتأكد الآخرون من صحة ما يسمعون. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع". رواه مسلم.
اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين العاملين.