غزوة بحران:
وهي دورية قتال كبيرة، قوامها ثلاثمائة مقاتل، قادها الرسول صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الآخر سنة 3هـ إلى أرض يقال لها بحران - وهي معدن بالحجاز في ناحية الفرع - فأقام بها شهر ربيع الآخر ثم جمادى الأولى (من السنة الثالثة من الهجرة) ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق حرباً.
سرية زيد بن حارثة
وهي آخر وأنجح دورية للقتال قام بها المسلمون قبل أحد، وقعت في جمادى الآخرى سنة ه.
وتفصيلها أن قريشاً بقيت بعد بدر يساورها القلق والاضطراب، وجاء الصيف واقترب موسم رحلتها إلى الشام فأخذها هم آخر.
قال صفوان بن أمية لقريش - وهو الذي انتخبته قريش في هذا العام لقيادة تجارتها إلى الشام -: إن محمداً وصحبه عوروا علينا متجرنا، فما ندري كيف نصنع بأصحابه، وهم لا يبرحون الساحل؟ وأهل الساحل قد وادعهم ودخل عامتهم معه، فما ندري أين نسلك؟ وإن أقمنا في دارنا هذه أكلنا رؤوس أموالنا فلم يكن لها من بقاء. وإنما حياتنا بمكة على التجارة إلى الشام في الصيف، وإلى الحبشة في الشتاء.
ودارت المناقشة حول هذا الموضوع، فقال الأسود بن عبد المطلب لصفوان: تنكب الطريق على الساحل وخذ طريق العراق وهي طريق طويلة جداً تخترق نجداً إلى الشام، وتمر في شرقي المدينة على بعد كبير منها، وكانت قريش تجهل هذه الطريق كل الجهل - فأشار الأسود بن عبد المطلب على صفوان أن يتخذ فرات بن حيان - من بني بكر بن وائل - دليلاً له، يكون رائده في هذه الرحلة.
وخرجت عير قريش يقودها صفوان بن أمية، آخذة الطريق الجديدة، إلا أن أنباء هذه القافلة وخطة سيرها طارت إلى المدينة. وذلك أن سليط بن النعمان - وكان قد أسلم - اجتمع في مجلس شرب - وذلك قبل تحريم الخمر - مع نعيم بن مسعود الأشجعي - ولم يكن أسلم إذ ذاك - فلما أخذت الخمر من نعيم تحدث بالتفصيل عن قضية العير وخطة سيرها، فأسرع سليط إلى النبي صلى الله عليه وسلم يروي له القصة.
وجهز رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لوقته حملة قوامها مائة راكب في قيادة زيد بن حارثة الكلبي، وأسرع زيد حتى دهم القافلة بغتة - على حين غرة - وهي تنزل على ماء في أرض نجد يقال له قردة - بالفتح فالسكون - فاستولى عليها كلها ولم يكن من صفوان ومن معه من حرس القافلة إلا الفرار بدون أي مقاومة.
وأسر المسلمون دليل القافلة - فرات بن حيان، وقيل: ورجلين غيره - وحملوا غنيمة كبيرة من الأواني والفضة كانت تحملها القافلة، قدرت قيمتها بمائة ألف قسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هذه الغنيمة على أفراد السرية بعد أخذ الخمس، وأسلم فرات ابن حيان على يديه صلى الله عليه وسلم .
وكانت مأساة شديدة ونكبة كبيرة أصابت قريشاً بعد بدر، اشتد لها قلق قريش وزادتها هماً وحزناً، ولم يبق أمامها إلا طريقان، إما أن تمتنع عن غطرستها وكبريائها، وتأخذ طريق الموادعة والمصالحة مع المسلمين أو تقوم بحرب شاملة تعيد لها مجدها التليد وعزها القديم، وتقضي على قوات المسلمين بحيث لا يبقى لهم سيطرة على هذا ولا ذاك، وقد اختارت مكة الطريق الثانية، فازداد إصرارها على المطالبة بالثأر، والتهيؤ للقاء المسلمين في تعبئة كاملة، وتصميمها على الغزو في ديارهم، فكان ذلك وما سبق من أحداث التمهيد القوي لمعركة أحد.