السحر والجن والحسد
بسم الله الرحمن الرحيم
عالم الجن والشياطين وعالم البشر عالمان مختلفان، فعالم الإنس بالنسبة للجن مرئي مشاهد، وعالم الجن بالنسبة للإنس غيبي غير مرئي، والتواصل بين العالَمين قائم - في صورته السيئة - على منطق التسخير والسحر والشعوذة واستغلال كل طرف للآخر بما يحقق مصلحته .
ولو تأملنا العلاقة التي تربط العالَمين منذ القدم لوجدناها هي هي لم تتغير، قال تعالى:{ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا }(الجن:6) وقال تعالى: { ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم }(الأنعام:128) فالعلاقة بين الإنس والجن لخصتها هذه الآية على أنها علاقة مبناها على تبادل - ما يعتقده أصحابها - منافع ومصالح، وهي في حقيقتها مضار محضة، فاستمتاع الإنس بالجن، هو في الاستعاذة بهم وشعورهم بحمايتهم، فكان الرجل في الجاهلية ينزل الأرض فيقول: أعوذ بكبير هذا الـوادي . وأما استمتاع الجن بالإنس، فما ينالونه من شعور بالعظمة والفخر من استعاذة الإنس بهم، فيقولون: قد سدنا الإنس والجن.
هذا ما قاله أهل التفسير، ولا يخفى أن ما ذكروه صورة مصغرة لعلاقة الاستمتاع تلك، وأن تلك العلاقة أوسع من استعاذة النازل بالوادي، وافتخار الجن بذلك واستمتاعهم به، لكنها في نفس الإطار، فالإنسي يبذل الطاعة وربما العبادة للجن، والجن يبذلون منافع السحر والشعوذة للإنس، فالعلاقة متبادلة بين الطرفين، ولكن في أسوأ صور العلاقات وأحطها منزلة.
ونحاول في مقالنا هذا أن نرصد بعض صور تلك العلاقة بين الطرفين ( الإنس والجن ) من خلال الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة؛ لنعطي تصورا صحيحا عنها .
أولاً: إضلال العباد وإفسادهم : وهذا غاية ما يطلبه الشياطين من الإنس بل يعدونه رسالتهم في الحياة، فإبليس لا يقرّب ويكرّم من الشياطين إلا من بالغ في إضلال العباد وإفسادهم، قال تعالى:{ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير }(فاطر: 6). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم، فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت ) رواه مسلم .
يتبع