بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا ند له. وأشهد أنَّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمّدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة، صلى الله وسلّم عليه وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ القدير القائل في محكم كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾ الأحزاب/ 70.
فلأجل بيان القول السديد، القول الموافق لدين الله تعالى، لأجل بيان القول الموافق لشرع الله تعالى، لأجل بيان القول الموافق لِما جاء به حبيبنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم أحببنا أن نذكر في خطبتنا اليوم أحكام المرأة المعتدّة، فإنّ الله عزّ وجلّ خصّ النساء بأحكام شرعية تتعلّق بِهنّ حتى إنّ سورة في القرءان الكريم سُمِّيت بسورة "النساء" لكثرة ما فيها من أحكام متعلّقة بالنساء. فالكيِّس الفطن الذكيّ من التزم بشرع الله ولم يتعدّ الحدود وأمر أهله وأمر زوجته بالالتزام بما أمر الله تعالى. يقول ربّنا عزّ وجلّ في سورة النساء: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُخَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ النساء/ 13-14.
وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يهتم بتعليم النساء ما يحتجن إليه، فكان يخصّهنّ ببعض مجالسه ومواعظه. وكذلك مدحت السيّدة الجليلة عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها النساء اللواتي يسألن عن أمور الدين فقالت: "نِعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهنّ الحياء أن يتفقّهن في الدين" .
فالعدّة إخوة الإيمان اسم مأخوذ من العدد وهو مدّة تتربّص فيها المرأة لمعرفة براءة الرحم، فإذا طلّق الرجل زوجته قبل الدخول بها لم تجب عليها العدّة لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾ الآية . الأحزاب/49 .
فإذا طلقها بعد الدخول وكانت حاملاً فعدّتها بوضع حملها لقوله تعالى: ﴿وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ الآية. الطلاق/4 .
وإن كانت غير حامل فعدّتها ثلاثة قروء أي ثلاثة أطهار وذلك لقوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ﴾.ومعنى يتربصن ينتظرن.
وإن كانت ءايسةً أي بلغت سنّ اليأس من الحيض فعدّتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ﴾ الطلاق/4.
أما المتوفّى عنها زوجها إن كانت حاملاً تنتهي عدتها بوضع الحمل وإن كانت غير حامل فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام. ويجب على المتوفى عنها زوجها الإحداد، فمن معاصي البدن ترك الزوجة المتوفى عنها زوجها الإحداد على زوجها. والإحداد هو التزام ترك الزينة إلى انتهاء أربعة أشهر قمرية وعشرة أيام، ولا يختصّ الإحداد بلون واحد من الثياب بل يجوز الأبيض والأسود والأصفر والأحمر وغير ذلك إذا لم تكن ثياب زينة، ويحرم من الأسود ما فيه زينة، فالإحداد يكون بترك الزينة والطيب.
وليس من الإحداد الواجب عليها ترك مكالمة الرجال غير المحارم أو كشف وجهها، يعني لا يحرم عليها مقابلة الرجال بخلاف ما شاع عند كثير من العوامّ وإن كانوا غير محارم وإنما يحرمُ عليها أن تكشف شيئًا من عورتها أمامهم وأن تختلي بأحدهم، فإن لم يكن خلوة ولا كشف عورة جاز لها مقابلتهم والتحدّث إليهم فيما لا معصية فيه. فتحريم مكالمة الرجال غير المحارم ليس مما يدخل في الإحداد الشرعي إنما هذه عادة أضافها بعض الناس ونسبها إلى شرع الله وهو ليس من شرع الله، فلْينشَر ذلك لأنّ كثيرًا من الناس يجهلون ويعتقدون أنها من الإحداد الشرعي وذلك تحريف للدين.
ويحرم الزيادة على هذه المدة المشروعة في الإحداد بنية الإحداد، ويحرم على غير الزوجة من النساء الزيادة على ثلاثة أيام بنية الإحداد أيضًا.
ولا يجوز للمحدّة أن تبيت خارج بيتها ولا أن تخرج منه لغير ضرورة، لكن يجوز لها أن تخرج لتستأنس ببعض جاراتها ثم تعود إلى البيت للمبيت. فالإحداد هو الانكفاف عن الزينة تَحَزّناً على الموت الذي فرّق بين المرأة وزوجها لأن في ذلك مساعدة لها على الاستعداد لمصالح الآخرة.
اللهمّ فقِّهنا في ديننا وعلِّمنا ما ينلعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علمًا يا ربّ العالمين .
هذا وأستغفر الله لي ولكم