نقد مقال الجوهر والساكا .. طرق أخرى للموت
صاحبة المقال مروة على وهو يدور حول طريقتين من طرق التخلص الجماعية من الحياة فى ديانات الهند وقد استهلت المقال بالحديث عن غرابة أديان الهند فقالت:
"الهند بلد الغرائب والعجائب، فيها أديان وعادات مختلفة، منها ما هو مشهور، ومنها ما لم يسمع عنه الكثيرون، كطقس الإنتحار الجماعى "الجوهر والساكا " الذي عُرف بهما الراجبوت الهنود، وهم طبقة محاربة كانت فى الماضى تقطن شمال الهند."
قطعا حرم الله قتل النفس عن طريق النفس أو عن طريق الغير فقال تعالى :
" "ولا تقتلوا أنفسكم"
وقال :
" ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق "
وتحدثت مروة عن أسباب الانتحار الجماعى عند طائفة الراجبوت وهى طائفة هندوسية محاربة والسببين هو :
التخلص من ذل الأسر
التخلص من ذل الحياة مع العدو
وفى هذا قالت:
"الجوهر والساكا من أصعب الطقوس التى يقدم عليها البشر من أجل التخلص من الأسر أو الهوان، وهذا معناه أنهم يفضلون الموت على الحياة فى يد أعدائهم، ورغم بشاعة هذا الطقس إلا أن الراجبوت أقدموا عليه خلال فترة الصراع بينهم وبين الأباطرة المغول، لكنهم في المقابل لم يقدموا عليه خلال صراعهم مع طوائف هندوسية أخرى كالمراثاس مثلا، وتبرير ذلك هو ما حدث لهم على يد الملك شير شاه، وذلك لنقضه الصلح معهم وهجوم قواته على قلعتهم فى ذلك الوقت، التى أعملت القتل فى رجالهم وسلبت ممتلكاتهم فضلا عن اغتصاب نسائهم."
وتحدثن عن تاريخ الراجبوت الحديث فقالت:
"من هم الراجبوت؟
محاربون من راجستان شمال الهند
طبقة محاربة فى العصور الوسطى قطنت شمال الهند، وكانت تدين بالهندوسية، وكونت أسر حاكمة هناك، أما عن أصلهم فيرجع إلى منطقة " راجستان".
عد مجىء المسلمون للهند خضع لهم الراجبوت عام 1200م، وطوال هذا التاريخ دارت بينهم حروب كثيرة، ثم تمكن المغول المسلمون من السيطرة على مناطقهم، وتحول الراجبوت لخدمة جيش الإمبراطورية المغولية فى الهند.
وبعد غزو بريطانيا لشبه القارة الهندية وسيطرتهم عليها، ساهم الراجبوت مشاة وفرسان فى جيش شركة الهند البريطانية التابعة للإمبراطوية التى لاتغيب عنها الشمس "بريطانيا العظمى، التى إحتلت الهند لعدة قرون.
وقد شارك بعض الراجبوت إلى جانب الجيوش البريطانية فى الحربين العالميتين الأولى 1918 م، والثانية 1939م.
وترجع تسمية " الراجبوت" لكلمة هندية قديمة باللغة السنسكريتية، وتهنى بلغتهم " إبن الملك".
لكن الراجبوت لم يكونوا محاربين فقط، فمما عرف عنهم أيضا أنهم كانوا تجارًا مشهورين خلال العصور الوسطى وساهموا فى التجارة العالمية وقتذاك وخصوصا مع روما ودول شرق البحر الأبيض المتوسط."
ومن هذا التاريخ المختصر يتضح أن الطائفة كانت طائفة من الجند المرتزقة ولذلك لم تقدم خلال التاريخ الحديث على الانتحار بطريقة الجوهر أو الساكا وهو دليل على أنهم غير متمسكين بعقيدتهم الجاهلية ومن ثم كانوا يريدون الحياة تحت ظل سلطة حاكمة يستوى فى ذلك المغول أو النصارى البريطانيون
وطرحت مروة السؤال عن ماهية الجوهر والساكا فقالت:
ما هو الجوهر والسكاكا؟
وأجابت أولا عن الجوهر فقالت :
"النساء يلقين انفسهن الى النار .. جوهر ..
هو طقس انتحار جماعي، يتكون من كلمتين ولكل منهما لها دلالة خاصة ..
- الجوهر: طقس الجوهر هو الإنتحار الإختياري للنساء، خاصة الملكات والأميرات، ومعهن أطفالن، وذلك بإلقاء أنفسهن في النار، عندما يداهم مملكتهم الغزاة، وذلك خوفا من التعرض للإغتصاب أو التحول القسرى لدين آخر.
طبعا لا تلجأ النساء لهذا الطقس في كل الحروب، بل فقط عندما يُحاصر مقاتلو الراجبوت فى قلاعهم، ويوشك جيشهم على الهزيمة، هنا تتجه نساء الراجبوت لهذا الطقس القاتل فى اليوم الأخير للمعركة، فترتدي كل واحدة منهن ملابس العروس التقليدية، ثم يتحلين بالزينة ويقدمن القرابين أمام مَذْبَح الإله، ليتم بعد ذلك إجراء طقس الجوهر المقدس، حيث الموت شجاعة من وجهة نظرهم."
بالطبع طقس الانتحار الجماعى خوفا من الأسر بالنسبة للنساء خوفا من إذلال العدو ليس حكرا على الراجبوت وإنما هو منتشر فى فى أديان أخرى
وتحدثت مروة عن الفرق بين الجوهر الراجبوتى والساتى وهو الهندوسى الخاص بانتحار الأرملة مع زوجها الميت قبلها بدخولها نار محرقة الجثة وهى حية فقالت:
"البعض من الناس يخلط بين طقس الساتي وطقس الجوهر، لأنهما معروفان تاريخيا فى "راجستان"، والفرق بينهما، أن طقس الساتى تقوم به الأرملة الهندية فتلقى بنفسها فى محرقة زوجها لتموت معه، أما طقس الجوهر فتقوم به الزوجة وزوجها فى وقت الصراعات فقط."
وأما الساكا فهو ذهاب الرجال للقتال حتى الموت بعد حرق زوجاتهم وأطفالهم لأنفسهم وفيه قالت :
"كما قلنا فأن الجوهر لدى النساء يتبعه طقس الساكا لدى الرجال.
الرجال يتوجهون للموت راجلين .. ساكا ..
- الساكا: يتمثل في نزول الرجال إلى ساحة القتال وهم عازمون على الموت، أي انتحاريون، وذلك بعد الانتهاء من طقس الجوهر، إذ لم يعد لديهم شيء ليخسروه، فنسائهم وأطفالهم غدوا رمادا ..
الرجال يقومون بنثر رماد النساء والأطفال أولا قبل أن يتوجهوا هم بدورهم إلى الموت في ساحة القتال ..
الساكا كما قلنا مرتبط بالجوهر، ولا يتم أحدهما دون الآخر .."
وقطعا لا يمكن أن يكون الجوهر اختياريا من قبل النساء والأطفال فلا يوجد عاقل يرمى نفسه فى النار وإنما هى عملية اكراه من قبل الرجال فى غالب الأحوال فالنساء لا تبقى بنفسها أو أطفالها إلا لأنهن لا يجدن مهربا من رجالهم فهم سيقتلونهن إن لم ينتحرن وقد حرم الله الإكراه على أى أى شىء فقال تعالى :
" لا إكراه فى الدين"
وتحدثت مروة عن وقائع مكتوبة فى كتب التاريخ عن استخدام طقوس الانتحار فقالت:
"المؤرخون سردوا وقائع كثيرة عن الجوهر والساكا، منها انتحار زوجة ملك قلعة بيانا وأعقب ذلك انتحار زوجات الفرسان.
ومن أشهر حوادث الجوهر حادثة حصن شيتاور الواقع فى راجستان وذلك فى القرن السادس عشر الميلادى."
وفرقت مروة بين أن الانتحار النسائى والرجالى ليس فى الهندوسية ولكنه عادة خاصة بطائفة الراجبوت وبالطبع أى عادة تصبح من ضمن الدين طالما التزم بها الإنسان وتلك العادات هى تكوين لدين جديد مأخوذ من الدين القديم مع الزيادات وفى هذا قالت :
"تخيل عزيزى القارىء أن يضحى الإنسان بحياته، بهذه الطريقة البشعة، من أجل الحفاظ على كرامته من شر يتوقعه، ورغم إجراء الطقوس الدينية قبل القيام بالانتحار، إلا أن الجوهر والساكا ليسا بطقوس موت دينية، إنما هى طقوس اجتماعية توارثتها الطبقة الحاكمة لتدفع عار أشد من الموت"
وأشارت مروة إلى أن تلك العادة الراجبوتية التى لم تكن عادة لأنها لم تحدث إلا مرات نادرة وقد انتهت بالاحتلال البريطانى الذى جند الراجبوت فى جيشه وجعلهم كما كانوا يحكمون تحت إشرافه فقالت :
"انتهى تنفيذ هذه الطقوس بعد دخول البريطانيون الهند، لم نعد نسمع عن طقس الانتحار الجماعى للطبقة الحاكمة فى التاريخ الحديث للهند، لكن تبقى من مورثاتهم، تظل عالقة فى الأذهان برغم تعاقب الأزمان."
قطعا لم يشرع الله قتل النفس إلا فى حالة واحدة وكانت على بنى إسرائيل عبدة العجل حيث جعل وسيلة التوبة من ذنب عبادة العجل هى قتل النفس فقال تعالى :
"وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم"
ولأن النفس عزيزة على غير طالبى الجنة فعبدة العجل لم ينفذوا التوبة المطلوبة منهم ولذا عفا الله عنهم ليعطيهم فرصة للحياة ليكفروا عن ذنبهم بطاعة الله وفى هذا قال تعالى :
" فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم"
ومن ثم كانت تلك التوبة هى إنجاء من الذل الأبدى بعد الموت وليس من الذل الدنيوى المتوقع ولكن بنى إسرائيل رغم عفو الله عنهم إلا أنهم كرروا الذنوب المتتالية مثل:
طلب رؤية الله فعاقبهم الله بالصعق فقال :
"وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون"
والاقدام على الموت لا يكون إلا فى حالة الاضطرار كما حدث مع يونس(ص) عند ركب فى السفينة وكانت ستغرق إن لم يرم أحدهم نفسه فى البحر فساهم والمراد شارك فى القرعة لكى يرمى أحدهم نفسه باختياره وقيل أن القوم كرروا القرعة عدة مرات وفى كل مرة كان يخرج اسمه ومن ثم رمى نفسه فى البحر فابتلعه الحوت وأنجاه الله بعد ذلك وفى هذا قال تعالى :
"وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين فالتقمه الحوت وهو مليم فلولا أنه كان من المسبحين للبث فى بطنه إلى يوم يبعثون فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين "
وهذه الحالة كان السبب فيها موت واحد لإنقاذ الباقين