يا أيها الثور القوي الذي يسطع في طيبة (( تحتمس )) المخلد الذي عمل لي كل ما تتوق إليه نفسي، لقد أقمتَ لي مسكناً وهو عمل سيبقى إلى الأبد، وجعلته أطول وأعرض مما كان عليه من قبل، إني لأثبتك على العرش مدة آلاف آلاف السنين حتى ترعى الأحياء إلى الأبد.
وهذه القصيدة تبين تواضح تحتمس الثالث واعترافه بفضل الإله (( آمون )) عليه في انتصاراته، فهو ليس ذلك المتكبِّر، المتجبر، مُدَّعي الألوهية، كما هو الحال مع فرعون موسى.
5- أمنتحب الثاني هو فرعون الخروج:
وهو تحوير بسيط في الفرضية السابقة إذ يزيد من فترة غياب موسى ويجعله يعود أثناء حكم أمنتحب الثاني، وهذا الرأي قال به دانييل روبس Daniel Rops في كتابه شعب التوراة Le people de la Bible. ولسنا في حاجة للإطالة في نقض هذه الفرضية إذ هي واهية كسابقتها.
6- أخناتون هو نفسه موسى !:
وهذه إحدى الفرضيات (( أحادية النظرة )) إذ ما دام أخناتون دعا إلى التوحيد وموسى كان أيضاً يدعو إلى التوحيد فهما شخص واحد !! وقائل هذا الرأي الغريب هو الأستاذ أحمد عثمان وهو مصري سافر إلى إنجلترا عام 1964 ودرس المصريات وأقام هناك، وألف كتابين: مضمون الأول يويا المصري هو نفسه (( يوسف )) عليه السلام، والثاني نشره عام 1989 شرح فيه نظريته من أن أخناتون هو نفسه موسى عليه السلام واختار له عنواناً جذاباً هو:
Moses, Pharaoh of Egypt. The mystery of Akhenaten resolved.. وبالرغم من وضوح فساد هذا الزعم فلا بأس من إيراد التصور الذي أورده كاتبه لبيان كيف يجنح الخيال بالبعض فيجعلهم يضعون تصورات غاية في الغرابة ويجعلنا نتساءل عن الدافع وراء كل هذا الافتعال.
يقول صاحب هذه الفرضية إن موسى قد أمضى طفولته في شرق الدلتا حيث تأثر بمعتقدات بني إسرائيل عن الإله وتشبع بها، ثم عاد إلى طيبة عاصمة مصر ومركز عبادة آمون وكان والده أمنحتب الثالث قد تدهورت صحته، وكان موسى هو الابن الثاني لأمنحتب الثالث من الملكة (( تي )) التي يقول إنها نصف مصرية ونصف إسرائيلية ! وأن الابن الأول لأمنحتب الثالث قد اختفى بطريقة غامضة، ومن هنا تخوَّفت الأم أن يصيب ابنها الثاني الذي هو موسى مكروه من كهنة آمون، ويرى أن كهنة آمون خافوا مغبة اعتلاء العرش شخص غير نقي الدماء المصرية تماماً أما وأباً، ورأى أمنحتب الثالث ما يتهدد العرش من غضب كهنة آمون فشايعهم في عدم تولي هؤلاء الأبناء العرش بل وأوحى إلى القابلات بقتل ابن الملكة إن كان ذكراً، ولما وُلد الابن الثاني – الذي هو موسى – ألقته أمه في النهر حيث سار به التيار من طيبة إلى أرض جوشن حتى التقطته أسرة من بني إسرائيل وتربى معها وتأثر بأفكار الإسرائيليين التوحيدية ولما ضعفت صحة أمنحتب الثالث استدعت الملكة (( تي )) ابنها من الأسرة الإسرائيلية التي التقطته، ولكي تكسبه صفة لولاية العرش زوجته من أخته غير الشقيقة (( نفرتيتي )) فهي ابنة امنحتب الثالث من زوجة مصرية وتولى موسى عرش مصر باسم أمنحتب الرابع ثم قام بثورته الدينية، وأعلن عن فكر التوحيد وحرَّم عبادة آمون وجميع الآلهة الأخرى، وتآمر عليه كهنة آمون، وأخبره الكاهن (( آي )) بالمؤامرة ونصحه بالهرب إلى سيناء وتولى توت عنخ آمون العرش ثم الكاهن (( أي )) ثم (( حورمحب )) ثم بدأت الأسرة التاسعة عشرة وتولى رمسيس الأول العرش، وهنا عاد موسى ليطالب بحقه في العرش، ولما لم يفلح في ذلك طلب من رمسيس الأول أن يسمح له بخروج بني إسرائيل من مصر تحت إمرته.
وهذه الفرضية المغرقة في الخيال مبنية على لخبطة الأوراق وقلب الأوضاع، فالأب المصري هو الذي يوحي بقتل ابنه أو يوافق الكهنة على فعلهم، والأم المصرية ألقت ابنها في النهر، والتيار يسير به حوالي 1000كم من طيبة حتى أرض جوشن، وأسرة إسرائيلية هي التي تلتقطه وتتبناه، والفرعون – الذي هو أخناتون – يهرب من مصر ثم يعود ليطالب بالعرش !
والهدف السياسي وراء كل هذا الافتعال غير خاف، فما دام موسى هو أخناتون، وأخناتون حكم مصر 17 سنة فإن لبني إسٍرائيل حقوقاً في مصر، ليس لأن موسى عاش بها، بل لأنه حكمها !!
7- توت عنخ آمون هو فرعون موسى:
القائل بهذا الرأي هو العالم اليهودي سيجموند فرويد الذي ادعى أيضاً أن موسى مصري وليس من بني إسرائيل وأن الديانة الموسوية مستقاة من عقيدة أخناتون ( سيجموند فرويد – موسى مصرياً – ترجمة محمد العزب موسى ). يقول: إن موسى كان أحد الأمراء المصريين المقربين من أخناتون ولكن لما حدثت الرِّدّة بعد أخناتون تم استبعاد موسى، ولما انهار أمله في حكم بلاده أراد أن يوجد لنفسه دوراً ما كزعيم، فتزعم بني إسرائيل وأعطاهم ديناً جديداً استقاه من عقيدة أخناتون التوحيدية، ثم قاد بني إسرائيل للخروج من مصر خروجاً سلمياً – ليس فيه مطاردة – إلى أرض فلسطين التي كان النفوذ المصري قد انحسر عنها أيام أخناتون لانشغاله بأفكاره الدينية، وكان الخروج في عهد توت عنخ آمون، ويقول جون ويلسون المؤيد لهذه النظرية إن موسى انتهز فرصة الضعف الذي ساد أخريات أيام أخناتون وعهد خليفتيه الضعيفين: (( سمنخ كارع )) و (( توت عنخ آمون )) ونجح في الخروج ببني إسرائيل من مصر وذلك بأن خادعوا الفرعون وهربوا إلى صحراء سيناء، ويوافق على هذه الفرضية آرثر ويجال ( تاريخ مصر القديمة، باريس، ص146، A. Weigal, 1986 ) ويحدد تاريخ الخروج بالعام 1346 ق.م ويرى أنه تم في آخر عهد توت عنخ آمون، كذلك يرى المؤرخ ويتش ( حضارة الشرق الأدنى، ص88، E.H. Weech ) أن موسى وقد أمضى طفولته وصباه وشبابه في قصر أخناتون، فقد عرف هذه العقيدة وآمن بها، فاستقى منها الديانة التي أعطاها لبني إسرائيل.