قال شقيق بن إبراهيم اغلق باب التوفيق عن الخلق من ستة أشياء:
اشتغالهم بالنعمة عن شكرها .. ورغبتهم في العلم وتركهم العمل .. والمسارعة إلى الذنب وتأخير التوبة .. والاغترار بصحبة الصالحين وترك الإقتداء بفعالهم .. وادبار الدنيا عنهم وهم يتبعونها .. وإقبال الآخرة عليهم وهم معرضون عنها..
قلت: وأصل ذلك عدم الرغبة والرهبة وأصله ضعف اليقين وأصله ضعف البصيرة واصله مهانة النفس ودناءتها واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير وإلا فلو كانت النفس شريفة كبيرة لم ترض بالدون..
· شرف النفس:
فأصل الخير كله بتوفيق الله ومشيئته وشرف النفس ونبلها وكبرها وأصل الشر خستها ودناءتها وصغرها قال تعالى ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [ الشمس 9-10] أي أفلح من كبرها وكثرها ونماها بطاعة الله وخاب من صغرها وحقرها بمعاصي الله..
فالنفوس الشريفة لا ترضي من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار..
فالنفس الشريفة العلية لا ترضى بالظلم ولا بالفواحش ولا بالسرقة والخيانة لأنها أكبر من ذلك وأجل والنفس المهينة الحقيرة والخسيسة بالضد من ذلك فكل نفس تميل إلى ما يناسبها ويشاكلها ..
وهذا معنى قوله تعالى ﴿ قلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾ [الإسراء:84] أي على ما يشاكله ويناسبه فهو يعمل على طريقته التي تناسب أخلاقه وطبيعته وكل إنسان يجري على طريقته ومذهبه وعادته التي ألفها وجبل عليها .. فالفاجر يعمل بما يشبه طريقته من مقابلة النعم بالمعاصي والإعراض عن النعم .. والمؤمن يعمل بما يشاكله من شكر النعم ومحبته والثناء عليه والتودد إليه والحياء منه والمراقبة له وتعظيمه وإجلاله..
من كتاب الفوائد لابن القيم