رغم أن أول استخدام للدخان, كان لأغراض صحية متعلقة بمعالجة الصداع والتوتر النفسي منذ وقت مبكر,
فإن انتشاره في مختلف بلدان العالم لم يتسع إلا منذ أواخر القرن الخامس عشر ميلادي
ومنذ المراحل المبكرة لهذا الانتشار,
كان موضع خلاف في الآراء حول تعاطيه بين مؤيد ومعارض,
حتى أن ملك بريطانيا جيمس الأول أعلن غضبه سنة 1604م على التدخين وشبهه بشرب الكحوليات حتى السكر,
وكذلك الحال كان بالنسبة للفقهاء المسلمين في العصر الحديث, حيث اختلفوا في بيان حكمه الشرعي
بين محرم ومحلل وما بينهما, وقد أصبح التدخين قضية أو مشكلة معقدة شغلت الناس في الماضي,
وتشغلهم في الحاضر وستبقى تشغلهم في المستقبل دون أن يتمكنوا من الاتفاق والاجتماع
على موقف موحد واضح, يلتزم به الجميع ونظراً لأهمية المشكلة
نقدم هذه المحاولة لعرض بعض الإيضاحات العلمية والطبية حول الدخان وأضراره وموقف الشريعة الإسلامية منه.
موطن التبغ الأول هو القارة الأمريكية, فقد تم العثور على غليون من الفخار,
يعود الى سنة 600 ق.م , وذكره الرحالة كريستوفر كولومبوس في أمريكا سنة 1492 م
وقام الرحالة أوفيدو OVEDO بنقل أوراقه الى أوروبا سنة 1519 م,
وفي سنة 1559 م قام المسيو جان نيكوت، السفير الفرنسي في البرتغال،
بزراعة التبغ في حديقة منزله بهدف الزينة لجمال أوراق نبتة التبغ الخضراء وأزهارها,
وكان العام 1881م بداية عهد تصنيع وإنتاج السجائر.
مكونات التبغ:
يتكون التبغ مما يزيد على 300 مادة كيماوية أهمها:
1- النيكوتين: اكتشف وجود هذه المادة العالمان الألمانيان بوسات ورايمان واسمياها نيكوتين نسبة الى السفير الفرنسي
جان نيكوت أول من زرع التبغ في أوروبا, فهو مادة سامة جداً, فالجرعة القاتلة منه 50 ملغم اذا حقنت حقناً,
ويوجد في كل 1 غم تبغ 20 ملغم نيكوتين فيكون محتوى السيجارة التي تزن 5 غم ,
100 ملغم نيكوتين, يتم امتصاص 90% من نيكوتين السجائر من الرئتين,
بينما يتم امتصاص السيجار والغليون من الفم والبلعوم,
وهو يؤثر على الدماغ بعد 7 ثواني فقط من امتصاصه
وهو الذي يسبب التعود والإدمان.
2- البايرديين Pyrudine: فهو مادة سامة أيضاً ويوجد بكمية أقل من النيكوتين,
إذ يحتوي الغرام الواحد من التبغ على ملغرام واحد بايردين.
3- الأمونياك: مادة مخرشة للأغشية المخاطية كالعين والفم والحنجرة والقصبات الهوائية
وهو السبب في حدوث السعال والبصاق عند المدخنين, ويحتوي الغرام الواحد من التبغ على 3- 5 ملغم أمونياك.
4- القطران Tar: وهو المادة المسرطنة وعند حرق كغم واحد تبغ ينتج 40 ملغم قطران.
5-أول أكسيد الكربون: غاز سام جداً يسبب الاختناق،حيث يتحد مع هيموجلوبين الدم بقوة تفوق قوة إتحاد الأكسجين
مع الهيموجلوبين ب 250 مرة. و تبلغ نسبته في التبغ 1 – 14% بينما تصل إلى 2.6% في دخان عوادم السيارات.
6-مواد أخرى عديدة منها غاز الميثان, الكحول الآيثيلي, السيانيد وغيرها.
استهلاك التبغ في العالم والوفيات بسببه:
- يبلغ عدد السجائر التي يدخنها الناس سنوياً في جميع دول العالم 5 مليارات سيجارة بمعدل 1000 سيجارة لكل شخص.
- في الدول الصناعية ثلث الذكور الذين تزيد أعمارهم عن 15 سنة يدخنون,
بينما في الدول النامية نصف هؤلاء الذكور يدخنون, ويلاحظ أن عدد المدخنين في الدول الصناعية يتناقص,
بينما هو في الدول النامية يزداد.
- يموت 2.5 مليون شخص في جميع دول العالم سنوياً, بسبب أمراض التبغ أي كل 13 ثانية يموت شخص
ويتسبب التبغ ب 85 % من الوفيات بسرطان الرئة, و75% من الوفيات الناجمة عن التهاب القصبات و25% من الوفيات
الناجمة عن أمراض القلب,
وهو يتسبب بوفاة ما نسبته 30% من جميع الوفيات في كوبا و 25% من الوفيات في الولايات المتحدة,
و15- 20% من الوفيات في بريطانيا ويقدر عدد الوفيات
بسبب التبغ ب 400.000 وفاة سنوياً في أمريكا, و 14000 وفاة في ألمانيا, و 100.000 وفاة في بريطانيا, و70.000 وفاة في ايطاليا.
انتشار التدخين:
لقد شاع التدخين بين الرجال في الدول الصناعية, أثناء الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918م.
أما في دول العالم الثالث فقد شاع التدخين في السبعينات من هذا القرن, أما النساء
فقد شاع التدخين بينهن في الدول الصناعية بعد الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945م,
وارتفع عدد النساء المدخنات بعد ذلك بسبب الدعاية والإعلانات, التي أخذت تربط بين التدخين
وحقوق المرأة حتى أصبحت المرأة تدخن كالرجل تماماً,
وقد ارتفع عدد وفيات النساء بسبب سرطان الرئة ما بين 1960 – 1980 م
ولكن منذ منتصف الثمانينات بدأ معدل حدوث سرطان الرئة بين النساء,
يزيد على معدل حدوث سرطان الثدي, الذي هو أكثر السرطانات حدوثاً عند المرأة
كما هو سرطان البروستات عند الرجال,
ينما قبل الحرب العالمية الأولى لم تكن المرأة تصاب بسرطان الرئة.
لماذا يبدأ الشخص بالتدخين:
بالطبع لا يولد الإنسان مدخناً, فالتدخين عادة مكتسبة من البيئة,
ويبدأ الشخص بالتدخين بتأثير بعض العوامل أهمها:
1-عوامل عائلية: فالأب والأم أكبر مثل لأبنائهما, ويقوم الأبناء بتقليد الأب أو الأم في كل عمل أو حركة,
وقد تبين أن الأب المدخن أو الأم المدخنة سيصبح أبناؤه أو أبناؤها مدخنين
ومدخنات وذلك عن طريق التأثر والتقليد وتوفر الدخان تحت أيديهم.
2-عوامل اجتماعية: لا شك أن الإنسان ابن بيئته ويتأثر بما يحيط به من أشخاص, فإذا كان رفاق الشاب وأقرانه مدخنين
فأنه سيصبح مدخناً وذلك من باب محاكاتهم وتقليدهم ومجاملتهم, كذلك بسبب تأثير الدعاية
والإعلانات عن طريق الراديو والتلفزيون والمجلات
والصحف التي تظهر الشخص المدخن وسط هالة كبيرة من النجاح المادي والفكري أو التفوق الوهمي الاجتماعي
مما يغري الشباب لتقليد هذه الشخصيات الوهمية.
3-عوامل نفسية: فالشاب يشعر بالرجولة إذا دخن والمثل العامي يقول: ( حلاة الشاب سيجارته ).
ولكن لماذا يستمر المدخن بالتدخين؟
ان ذلك راجع الى سبب نفسي يتعلق بالعادة, والأهم من ذلك الإدمان على النيكوتين
حيث لا يحتمل الجسم نقصان النيكوتين في الدم والخلايا, فتتولد عند المدخن رغبة جامعة للحصول على النيكوتين
لرفع معدله في الدم والخلايا والتخلص من أعراض هذا النقصان مثل خفقان القلب,
رجفة اليدين, وعدم القدرة على التركيز الذهني, والقلق, وأحيانا السعال وغيرها من الأعراض السلبية.
وهذا ما يجعل الإقلاع عن التدخين أمراً صعباً, يحتاج الى شيء واحد وهو الإرادة والعزيمة والإصرار
على مقاومة هذه الأعراض التي ستزول خلال فترة من الزمن,
ومقاومة العادة التي اعتاد عليها المدخن.
ما هي مضار التدخين؟
إن مضار التدخين حقيقة, أثبتها العلماء والأطباء بالتجارب والمراقبة والإحصاءات.
أولاً: المضار العائلية: إن عائلة المدخن معرضة للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي
لتعرضهم بشكل مستمر لاستنشاق الهواء الملوث بالدخان المنبعث من سجائر المدخن,
وهذا ما يسمى ( التدخين القسري ) فقد بينت الإحصاءات الطبية, أن معدل حدوث سرطان الرئة لزوجات المدخنين
هي 29.6% 100.000 زوجة, وهي تفوق معدل سرطان الرئة لزوجات غير المدخنين التي هي 15.8% 100.000 زوجة وفي عام 1985م.
أصدرت محكمة سويدية حكماً هو الأول من نوعه وهو ( أن السبب المرجح
لوفاة أحد الموظفين غير المدخنين بسرطان الرئة,
هو تدخين زملائه في المكتب الذي يعمل فيه وبذلك اعتبرت على أنها إصابة عمل)
فتلقت عائلته تعويضاً على ذلك.
ثانياً: المضار الاقتصادية:
أ-المدخن ينفق في المتوسط 30 ديناراً شهرياً, ويمكن أن يرتفع هذا المبلغ حسب عدد السجائر ونوعها,
وهو مبلغ غير قليل ويمكن أن يغطي حاجات هامة للعائلة.
ب-الحرائق المنزلية التي قد تحدث بسبب سيجارة لا يتم اطفاؤها تماماً.
ثالثاً: المضار الاقتصادية للمجتمع:
أ- تتكلف الدولة ملايين الدنانير في معالجة ومكافحة الأمراض الناتجة عن التدخين,
يمكن صرفها في الوقاية والرعاية الصحية الأولية.
ب- ضياع مساحات واسعة من الأراضي الزراعية لإنتاج التبغ,
يمكن استثمارها في زراعة مواد غذائية أساسية.
رابعاً: المضار الصحية:
بينت الدراسات أن المدخن يعيش أقل من غير المدخن بحوالي 10 – 20 سنة
وان من بين كل ألف شخص يموت 250 شخصاً بسبب التدخين, وفيما يلي موجز عن أمراض التدخين.
1-الجهاز التنفسي:
أ- التهاب القصبات المزمن والسعال والبصاق,
نتيجة تخريش مادة الأمونياك للأغشية المخاطية للقصبات الهوائية,
وتثبيط الخلايا المناعية البالعة فتضعف مناعة الشخص.
ب- انتفاخ الرئتين وعدم قدرتها على تبادل الأكسجين,
فيحدث الاختناق البطيء ثم الموت.
ج- سرطان الرئة بسبب مادة القطران فقد أثبتت الدراسات أن الشخص المدخن معرض للإصابة بسرطان الرئة
ستين مرة أكثر من غير المدخنين.
د- سرطان الفم واللسان والحنجرة وخاصة من تبغ الغليون والسيجار.
2-الجهاز الهضمي:
أ- تقرحات الفم واللسان.
ب- التهاب اللثة واللسان.
ج- اصفرار الأسنان.
د- التهاب الغدد اللعابية وتضخمها وتليفها وتلفها.
ه- قرحة المعدة التي قد تنزف أو تنثقب.
3-القلب والأوعية الدموية:
أ- مرض بيرجرز (Bergereis) وهو التهاب سطحي أو عميق
وتخثر الأوردة بتصلب الشرايين الصغيرة والمتوسطة.
ب- ارتفاع ضغط الدم بسبب تصلب الشرايين.
ج- احتشاء عضلة القلب, والذبحة الصدرية.
4- الجهاز البولي:
أ- سرطان المثانة.
ب- نقصان حجم البول بسبب افراز هرمون مثبط إدرار البول (ADH).
5-العين:
أ- التهاب الملتحمة نتيجة تخريش العين بالأمونياك.
ب- التهاب العصب البصري ومصاحبته بضعف النظر.
7-الجهاز العصبي:
أ- - يحث الغدة النخامية لإفراز الهرمون المثبط للإدرار ADH .
ب- ينبه الجهاز العصبي في مركز الجهاز التنفسي ومراكز القيء وغيرها.
8- المرأة الحامل:
أ- ولادة طفل ناقص الوزن(170 غم).
ب - ولادة طفل خداج.
ج- الإجهاض.
د- ولادة طفل غير مكتمل النمو وناقص الأعضاء.
ه- موت الجنين داخل رحم الأم.
و- نقصان وزن المشيمة.
ز- معدل وفاة الطفل من أم مدخنة بعد شهر من الولادة تزيد 28% عن الطفل من أم غير مدخنة.
ح- إذا كانت المرأة المدخنة, تستخدم حبوب منع الحمل, يزداد لديها خطر الإصابة بأزمة قلبية ( سكتة )
أو جلطة دموية في بطة الساق 10 مرات من غير المدخنين.
ما العمل؟ كيف نتخلص من التدخين ومضاره؟
هناك حكمة تقول: ( لا تستطيع تفادي الخطر بتجاهله ) وهي تنطبق على واقع الناس مع التدخين
فهو يسبب لنا العديد من الأمراض والأضرار الاقتصادية والاجتماعية ولا نفعل تجاهه شيئاً فماذا علينا أن نفعل؟
نحن أمام قضية خطيرة ذات بعدين علينا أن نتصدى لهما؛ البعد الأول:
أن عدد المدخنين في دول العالم الثالث,
يزداد سنوياً بمعدل 2.1 % بينما هو في الدول الصناعية يقل بنفس هذه النسبة, وذلك بفعل تأثير الإعلام والتثقيف الصحي.
البعد الثاني: استمرار المدخنين في التدخين وعدم قدرتهم على الإقلاع عن التدخين.
اذن فمن أجل التصدي لمشكلة التدخين علينا العمل على مستويين.
أولاً: مستوى الشباب المراهقين غير المدخنين لوقايتهم من الوقوع فريسة للتدخين.
ثانياً: مستوى المدخنين لحملهم وحفزهم على الإقلاع عن التدخين.
وهذا يعتمد على أساساً على ( التوعية والتثقيف الصحي ) وبيان مضار التدخين الكثيرة والخطيرة وهذا يقع على المؤسسات ذات العلاقة والاهتمام وأهمها:
1- وسائل الإعلام كالتلفزيون والراديو والصحف والمجلات, وهي ذات تأثير شديد الفعالية على النفوس إذا أحسن استغلالها من خلال البرامج والأفلام الموجهة.
2- المدرسة: وهي المؤسسة التي يقضي فيها الشاب معظم يومه مع زملائه ولها دور أساس في صقل سلوكيات الطلاب, وتغيير مفاهيمهم وعاداتهم.