كان الأنبياء أجمع يدعون أقوامهم بدعوة واحدة هي دعوة التوحيد، وفي القصص القرآنية التي ساقت أخبار دعوتهم كان كل نبي يقول لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) (الأعراف:59).
وأخبر تبارك وتعالى أنه بعث الأنبياء في أممهم لهذه الغاية:
(َلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ). (النحل:36).
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ). (الأنبياء:25).
ولا غنى للدعاة إلى الله تعالى أن يتأسوا بالأنبياء ويسيروا وفق منهجهم، وأن يراجعوا مناهجهم وأساليبهم الدعوية بين آونة وأخرى ليدركوا مدى قربها أو بعدها من منهج الأنبياء.
ونحن في هذا النص لسنا أمام مسألة فرعية أو قضية جزئية، بل نحن أمام قضية منهجية رئيسة، وثمة لوازم عدة على هذه القضية المنهجية منها:
أن يكون أساس الدعوة ومنطلقها تعبيد الناس لله تبارك وتعالى وتحقيق التوحيد له عز وجل، ومن ثم فالدعوة للتوحيد - سواء لتحقيق أصله أو لتصحيح واقع المسلمين نحوه- لابد أن تكون هي الأساس والمنطلق، ومهما كانت الأمور الأخرى من الأهمية فلا يسوغ أن تعلو منزلتها على منزلة التوحيد.
كان الأنبياء مع دعوتهم للتوحيد يدعون قومهم لترك المنكرات التي كانت لهم شعارا، كالتطفيف، والبغي على الناس، وإتيان الفواحش، وقال صلى الله عليه وسلم عن بعثته: "أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء" ( رواه مسلم 832).
وهكذا الدعاة إلى الله اليوم يجب أن يكون التوحيد أساس دعوتهم ومنطلقها، ومع ذلك يعنون بعلاج المشكلات المتفشية في عصرهم. · الإخلاص والصدق في الدعوة والبعد عن الأغراض الأخرى، فالداعية قد تبدو أمامه أغراض اجتماعية أو سياسية أو مادية، فكلما ذكر نفسه بعنوان دعوته عادت الأمور إلى نصابها. · الوضوح والجلاء في الدعوة، فليس لدى الدعاة إلى الله ما يخفونه عن الناس، وليس لدبهم ما يستحون عن إعلانه وذكره.
الحذر من الانجراف بالدعوة ذات اليمين وذات الشمال؛ فطائفة من الذين ولجوا العمل السياسي للإصلاح نسوا أنفسهم، ونسوا غاية دعوتهم، وتحولوا إلى حزب سياسي بحت، يستخدم المنطق السياسي السائد، واللغة الشائعة دون تمحيص أو مراجعة، حتى لا تكاد تفرق بينهم وبين أي حزب علماني آخر.
الحذر من أن تطغى الحزبيات والولاءات، فيتحول عمل الداعية إلى حامل لفكرة حزب أو اتجاه، وإلى ساع لكسب الأتباع والأعوان ناسيا حقيقة دعوته وغايتها.
ربط الناس بالله تبارك وتعالى، والبعد عن ربطهم بالأشخاص، والاعتناء بتعليمهم فقه الكتاب والسنة أكثر من الاعتناء بتعليمهم آراء الرجال وأقوالهم، ومن صور الغلو الممقوت في الأشخاص الغلو في السلاطين، حتى تتحول طاعتهم إلى أصل بعد أن كانت تبعاً لطاعة الله عز وجل، وحتى تكون معصيتهم أشد من معصية الله تعالى.