((..إن الله ليطلع على عباده في هذه الليلة..؟!!..))
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن) [ابن ماجة1390، وابن أبي عاصم، واللالكائي]
هذا الأثر يحوي المسائل التالية:
- المسألة الأولى: معنى اطلاع الله تعالى على عباده ليلة النصف من شعبان.
- المسألة الثانية: الحكمة من تخصيص هذه الليلة بهذا الاطلاع الإلهي، والمغفرة الإلهية لجميع الخلق.
- المسألة الثالثة: سبب استثناء المشرك والمشاحن من المغفرة.
- المسألة الرابعة: كيف نعظم هذه الليلة مستنين لا مبتدعين؟.
..............................
- المسألة الأولى: معنى اطلاع الله تعالى عباده ليلة النصف من شعبان.
أخبر الله تعالى في آيات كثيرة أنه مع عباده، مطلع على أحوالهم، صغيرها وكبيرها، فقال تعالى:
- {ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم}.
- {هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير}.
- {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار}.
وجاء في الأثر الصحيح أنه ينزل في كل ليلة إلى السماء ثم ينادي: من يدعوني فأستجيب له؟، من يستغفرني فأغفر له؟، من يسألني فأعطيه؟.. وذلك في الثلث الآخر منها.
فاطلاع الله تعالى على أحوال عباده مبيّن في نصوص متعددة، فأي جديد في حديث النصف من شعبان إذن؟
للإجابة نقول:
بيان علم الله تعالى بأحوال العباد جاء في النصوص بأوجه وصيغ متعددة:
- فتارة بالإخبار بعلمه بكل ما في السموات والأرض، وبما يجترحه العباد،.
- وتارة بالإخبار أنه يراهم ويسمعهم ويعلم ما في ضمائرهم.
- وتارة بالإعلام أنه منهم قريب غير بعيد، وأنه معهم أينما كانوا.
- وتارة يخبرهم أنه مطلع عليهم.
هذا التعدد في التعبير عن الإحاطة الإلهية الشاملة فيه التنبيه والإشارة إلى الحذر من مواقعة ما حذر منه، والجدّ فيما حث عليه، فإذا الإنسان استشعر هذا القرب والمعية والاطلاع والعلم الإلهي بأحوال الخلق فلعله يُحفَّز إلى الخير..
وعندما تتنوع النصوص في هذا المعنى، وتأتي في كل مناسبة بتعبير جديد، فذلك مما يلفت الانتباه ويجدد الهمة والعزيمة للخير، فطبع الإنسان الملل والنسيان، فإذا تجدد أسلوب الخطاب، وتكرر من وقت لآخر، ومكان إلى آخر، أعان على طرد الملل، واستعادة الذاكرة لما نسي من العلم.
إذن، فخبر اطلاع الله تعالى في ليلة النصف من شعبان هو تذكير وتجديد للعلم بمعرفة الله تعالى بما يكون من الإنسان، فهي موعظة توقظ الغافل، وتجدد الهمة، وقد جاء في رواية أنه تعالى ينزل في تلك الليلة، وهذه فيها زيادة على معنى الاطلاع، وفيها الدليل على عظم الرحمة الإلهية بالعباد، فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب) (الترمذي، وابن ماجة، وأحمد].