آلسّلآمٌ عليكٌم وَرحمَةٌ آلله وَبركَآتٌه ,
هذه الدنيا دار بلاء، والآخرة دار جزاء ، فلا يسلم المؤمن في هذه الدار الدنيا من المصائب ،
فمن فيها لم يصب بمصيبة ؟!
وما أشد الحاجة إلى الصبر، لاسيما في هذه الأزمان التي اشتدت فيها الغربة، وكثرت فيها الفتن، وصار القابض على دينه كالقابض على الجمر.
الصبر ,‘
هو أن يلتزم الإنسان بما يأمره الله به فيؤديه كاملا، وأن يجتنب ما ينهاه عنه، وأن يتقبل بنفس راضية ما يصيبه من مصائب وشدائد.
وقد عرفه بعضهم بأنه: حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والجوارح عن لطم، وشق الجيوب، ونحو ذلك.
فَضِيلةٌ آلصّبر وآلصّآبرين ,‘
1- إن الله تعالى قد جعل للصابرين ما ليس لغيرهم؛ قال تعالى
{ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }
2- والصابرون هم أهل الإمامة في الدين, قال تعالى
{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا }
3- والصــبر خلـق الأنبياء :
ضرب أنبياء الله - صلوات الله عليهم- أروع الأمثلة في الصبر وتحمل الأذى من أجل الدعوة إلى الله.
4- واسمع ماذا قال نبينا صلّ الله عليه وسلم قال هذا الخُلق الكريم
:" من يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر". صحيح الجامع.
أنوَآعٌ آلصّبر ,‘
للصّبر أنوآعٌ كَثيره مِنهآ /
1- الصبر على الطاعة:
فالمسلم يصبر على الطاعات؛ لأنها تحتاج إلى جهد وعزيمة لتأديتها .
2 - الصبر عن المعصية:
المسلم يقاوم المغريات التي تزين له المعصية، وهذا يحتاج إلى صبر عظيم.
3- الصبر على المصائب:
المسلم يصبر على ما يصيبه في ماله أو نفسه أوأهله, وقال الإمام علي:
إن صبرتَ جرى عليك القلم وأنتَ مأجور (لك أجر وثواب)، وإن جزعتَ جرى عليكَ القلم وأنت مأزور (عليك وزر وذنب).
4- الصبر على أذى الناس:
قال صلّ الله عليه وسلم : (المسلم إذا كان مخالطًا الناس ويصبر على أذاهم، خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم).
ثَمَرآتِ آلصّبر ,‘
1- ظفرهم بمعية الله سبحانه لهم, قال تعالى { وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }
2- مضاعفة أجر الصابرين على غيرهم, قال تعالى { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }
3- الفوز بالجنة و النجاة من النار, قال تعالى { إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ }
4- حصول المحبة من الله, قال تعالى { وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ }
دَوَآفِع تٌعين على آلصّبر ,‘
1- تدبر الآيات والأحاديث الواردة في فضيلة الصبر.
2- اليقين بأنه لا يقع شيء إلا بقدر الله تعالى.
3- العلم بأن اختيار الله له أحسن من اختياره لنفسه.
4- استحضار أن أشد الناس بلاءً الأنبياء والصالحون.
5- أن يعلم أن زمن البلاء ساعة وستنقضي.
مِن كَلآمِ آلسّلف فِب الصّبر ,‘
(1
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( وجدنا خير عيشنا بالصبر ) وقال أيضاً:
( أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريماً ).
(2
وقال علي رضي الله عنه: ( ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس بار الجسد ).
ثم رفع صوته فقال: ( ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له ) وقال أيضاً: ( والصبر مطية لا تكبو ).
(3
وقال الحسن: ( الصبر كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده ).
(4
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ( ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعوضه مكانها الصبر
إلا كان ما عوضه خيراً مما انتزعه ).
(5
وقال سليمان بن القاسم رحمه الله: ( كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر ).
(6
وقال ميمون بن مهران رحمه الله: ( الصبر صبران: فالصبر على المصيبة حسن، وأفضل منه الصبر عن المعصية )
وقال أيضاً: ( ما نال أحد شيئاً من جسم الخير فما دونه إلا بالصبر ).
أمٌور تَقدَحٌ بِآلصّبر ,‘
لما كان الصبر حبس اللسان عن الشكوى إلى غير الله، والقلب عن التسخط والجزع، والجوارح عن لطم الخدود
وشق الثياب وخمش الوجوه، ونحو ذلك، .
كان ما يقع من العبد عكس ما ذكرته قادحاً في الصبر، منافياً له، ومن هذه الأمور:
(1
الشكوى إلى المخلوق، فإذا شكا العبد ربه إلى مخلوق مثله فقد شكا من يرحمه ويلطف به ويعافيه وبيده ضره ونفعه إلى من لا يرحمه وليس بيده نفعه ولا ضره.
وهذا من عدم المعرفة وضعف الإيمان. وقد رأى بعض السلف رجلاً يشكو إلى آخر فاقة وضرورة فقال: ( يا هذا، تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك؟ ).
ثم أنشد:
وإذا عرتك بلية فاصبر لها *** صبر الكريم فإنه بك أعلمُ
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما *** تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحمُ
ولا ينافي الصبر الشكوى إلى الله، فقد شكا يعقوب عليه السلام إلى ربه مع أنه وعد بالصبر
فقال: إِنَّما أشكُوا بَثِي وَحُزنِي إلى اللّهِ [يوسف:86].
ولا ينافي الصبر أيضاً إخبار المخلوق بحاله؛ كإخبار المريض الطبيب بحاله، وإخبار المظلوم لمن ينتصر به،
إذا كان ذلك للإستعانة بإرشاده أو معاونته على زوال الضر.
(2
ومما ينافي الصبر ما يفعله أكثر الناس في زماننا عند نزول المصيبة من شق الثياب، ولطم الخدود،
وخمش الوجوه، ونتف الشعر، والضرب بإحدى اليدين على الأخرى،
والدعاء بالويل، ورفع الصوت عند المصيبة، ولهذا برىء النبي صلّ الله علية وسلم ممن فعل ذلك.
ولا ينافي الصبر البكاء والحزن من غير صوت ولا كلام محرم،
قال تعالى عن يعقوب: وَابيَّضَت عَينَاهُ مِنَ الحُزنِ فَهُوَ كَظِيم [يوسف:84].
قال قتادة: ( كظيم على الحزن، فلم يقل إلا خيراً ).
(3
ومما يقدح في الصبر إظهار المصيبة والتحدث بها. وقد قيل: ( من البر كتمان المصائب والأمراض والصدقة ).
وقيل أيضاً: ( كتمان المصائب رأس الصبر ).
4 )
ومما ينافي الصبر الهلع، وهو الجزع عند ورود المصيبة والمنع عند ورود النعمة،
قال تعالى: إِنْ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إذا مَسَهُ الشَرُ جَزُوْعاً (20) وَإذا مَسَهُ الخَيَرُ مَنُوْعاً [المعارج:19-21].
قال عبيد بن عمير: ( ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب، ولكن الجزع القول السيىء والظن السيىء ).
وقال بعضهم: مات ابن لي نفيس، فقلت لأمه: اتقي الله واحتسبيه عند الله، واصبري. فقالت: مصيبتي به أعظم من أن أفسدها بالجزع.
وَآخِيرآأ ,‘
. . . آسْأل آلله آن يٌلهِمَنآ آلصّبر فِي كلّ آوقَآتِ عيْشِنآ