لابد أن يجتمع حسن القصد وصحة الأسلوب، وهذا عند الخطأ الواضح البين، فكيف في أمر حَسُن فيه القصد وحسن فيه العمل ولكنه لاعتبارِ اختلافاتٍ فقهية أو عادات متوارثة، نضع المخطئ «عدو الله» و«محارب دينه» دون أدنى نظر لعواقب فعلنا ومآل فعله..
التعامل مع المخطئ والتعامل مع الخطأ، مهارتان يختلف بعضهما عن بعض، ولا تلازم بين الخطأ والمخطئ إلا من وجه أنه صدر منه، والمخطئون كُثُر، والأخطاء أكثر، فالشخص الواحد قد تتعدد أخطاؤه، ولم يغفل شرعنا الحكيم تبيين أساليب معالجة الخطأ وتوضيح طرق التعامل مع المخطئ، غير أن كثيرًا من الناس قد يغفلون أو لم تكن عندهم الأهلية لاستيعاب المهارتين، أو تعلمهما، وليس ذلك معيبًا، وإنما يعيب المرء إلباس جهله بهاتين المهارتين، لباس التمسك بالحق، واتهام الآخرين بشتى التهم، والحقيقة التي تخفى عليه هي أنه لم يدرك أبعاد حدوث الخطأ وجواز وقوعه من أفراد الأمة بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم -، فإن أحسن الظن بنفسه رأى سيئاته حسنات، وأفحش في وجه من يعرفه بخطئه، وإن أحسن الظن بفلان من الناس ألبسه لباس العصمة، وسفّه وشتم كل من قال «أخطأ فلان»!
وفي نظرتنا لكثير من حوادث العين التي حصلت في زمن النبوة نجد أن وقوع تلك الأخطاء كان تقديرًا حكيمًا من الله لتكون دروسًا عملية تطبيقية ينقلها النبي صلى الله عليه وآله لأمته في تعامله، وكثير من الناس لا ينظر إلى ما وراء الخطأ أو يحدث نفسه: لعل وراء هذا الخطأ خيرًا! ويبني على هذا التوقع معاملته مع الخطأ ومع المخطئ، ويعلق حكمه على مناطات تضع لحسن المقصد وسيئه اعتبارًا كاعتبار ما ظاهره الخير حين يشوبه سوء القصد، وقد علمنا قصة الرجل الذي جيء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في شرب الخمر، فيضرب لذلك ثم يعود، مراراً، وما أكثر ما نسمعها ونحدث بها ولكن «ليس الخبر كالمعاينة» وهي تضع لنا خطأ الرجل باعتبار قصده التمتع بالمحرم فهو لم يقصد حَسَنًا، وإنما قصد شيئا سيئًا، وبالمقابل تضع لنا الحادثة خطأ من لعنوه بالاعتبار الآخر، وهو حسن القصد والخطأ المصاحب له بجهل حال المخطئ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا تلعنوه إنه يحب الله ورسوله» فكون الذي حدث منه خطأ بل كبيرة بينة، فقد أقام - صلى الله عليه وسلم - عليه الحد وهذه معالجة عملية لخطئه، وأبقى له مكانته واحترامه في نظر الآخرين «إنه يحب الله ورسوله» بل شهادة يسمو بها في الدنياوالآخرة، وأيضًا ذاك الذي نهره الصحابة حين أن بال في المسجد وجعل نبينا من الحادثة درسًا يعلم للأجيال في معالجة الأخطاء، وبين للمنكرين أن حسن القصد في الإنكار لا يكفي، فلابد أن يجتمع حسن القصد وصحة الأسلوب، وهذا عند الخطأ الواضح البين، فكيف في أمر حَسُن فيه القصد وحسن فيه العمل ولكنه لاعتبارِ اختلافاتٍ فقهية أو عادات متوارثة، نضع المخطئ «عدو الله» و«محارب دينه» دون أدنى نظر لعواقب فعلنا ومآل فعله، فأحيانًا الخطأ نفسه يوظف لمصلحة تخفى، وفي الحديث أن رجلاً تصدق فوقعت صدقته في يد سارق وزانية وغني، فحمد الله على حسن قصده ولكن تحدث عنه الناس، فقيل له: أمّـا صدقتك فقد قـُـبِـلتْ؛ وأمّـا الزانية فلعلها أن تستعفف بها عن زنا، ولعلَّ الغني يَـعتبِـر فينفق مما أعطاه الله، ولعلَّ السارق أن يستعف بها عن سرقته. وإننا كثيرًا ما تأخذنا الأنفة والغيرة الزائدة في أمر من الأمور، فننفر عن الحق كثيراً ممن يقعون في الخطأ ولعلنا لا ننتبه يومًا إلا وأحدنا يسير بمفرده لا يألفه أحد وكما قيل:
رام نفعًا فضر من غير قصدٍ
ومن البر ما يكونُ عقوقا
--------------------------------
ألإثنين:24جمادي الاخر1439هـــــــــــ.