العُرْوَةُ الْوُثْقَى
قَال تَعَالى: ﴿ ...فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة:256].
فِيهِ مَسَائِلُ، وَمِنْهُ فَوَائِدُ:
1- الطَّاغُوتُ مُصْطلحٌ قُرآنِيٌّ؛ مُشْتَقٌّ مِنَ الطُّغْيَانِ؛ مَعْنَاهُ في اللُّغةِ: مُجاوَزَةُ الحَدِّ في العِصيانِ، وَفي الاصطلاحِ:
عِبَادَةُ كُلِّ مَعْبُودٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، ويُطلقُ أَصَالةً على الشَّيطانِ؛ فَإِنَّهُ مَصدرُ الشَّرِّ الَّذِي كَانَ عَليهِ أَهْلُ الجاهليةِ
مِنْ عِبادةِ الأصنامِ وَالأَوْثَانِ؛ والسِّحرِ؛ والكِهَانةِ؛ وَطَاعةِ غيرِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى في تَشْريعِ مَا لَمْ يأذَنْ بِهِ اللهُ
مِنْ تَحْلِيلِ مَا حَرَّمَ اللهُ؛ وَتَحْرِيمِ مَا أَحَلَّهُ اللهُ جَلَّ وَعَلا.
وَفي ذَلكَ يَقولُ تَعَالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ
الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ﴾ [النساء: 76]
وَيَقولُ سُبْحَانَهُ: ﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ
الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 60].
وَيَقولُ جَلَّ في عُلاه-: ﴿ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ
الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة:257].
وَ تَفْرِيعاً عَلَى ذَلكَ؛ يُطْلقُ الطَّاغوتُ عَلى كُلِّ ما عُبِدَ مِنْ دونِ اللهِ سبحانه وهُوَ رَاضٍ؛ سَواءٌ كَان
ذلكَ المعبودُ إِنْساناً: سَاحِراً أَمْ كَاهِناً، أَوْ وَثناً، أَوْ صَنماً، أَوْ كائناً ما كانَ مِنْ شَيءٍ.
أَمَّا مَنْ عُبِدَ مِنْ غَيرِ اللهِ تَباركَ وتَعَالى وَهُوَ غيرُ راضٍ؛ بلْ هُوَ مُنْكرٌ لهذهِ العبادةِ الباطلةِ؛ مُتَبَرِّأٌ مِنْهَا وَمِنْ أَهْلِهَا
كَمَا هَوَ الشَّأنُ في الرُّسلِ وَالمَلائكةِ وَالصَّالحينَ؛ فَلا يَجوزُ بِحالٍ أَنْ نُطْلِقَ عَلَيهِ هَذَا المُصْطلحَ: ﴿ الطَّاغُوتُ ﴾.
2- حَقِيقةُ الكُفرِ بِالطَّاغوتِ تَتَمَحْورُ حَوْلَ إِنْكارِ عِبادةِ كُلِّ مَعبودٍ منْ غَيِرِ اللهِ عَزَّ وجلِّ؛ والبراءةِ منْ ذلكِ
وَمِنْ أَهْلِها، واعتقادِ بُطلانِ ذلكَ وفَسادِهِ، والبُعْدُ عَنْ هَذِهِ المعبوداتِ الباطلةِ واجتنابُها.
3- حَقيقةُ الإيمانِ باللهِ تَدورُ عَلى الاعتقادِ الجازمِ بِأَنَّ اللهَ هُو المعبودُ بالحقِّ؛ وَأَنَّهُ هو المستَحِقُّ
لِلعِبادةِ؛ وَأَنَّهُ رَبُّ العَالمينَ؛ وَأَنَّهُ الحَقُّ العَليمُ؛ رَبُّ كُلِّ شَيءٍ وَمَليكُه؛ العَالِمُ بِكُلِّ شَيءٍ؛ وَالقَاهِرُ فَوقَ
عِبادهِ؛ وهُوَ فَوقَ العَرشِ، فَوقَ السَّماواتِ سُبْحَانه وتَعَالى , وَعِلْمهُ في كُلِّ مَكانٍ.
4- الْعُرْوَةُ الْوُثْقَىَ هِيَ الإسْلامُ، هِيَ كَلمةُ التَّقوى: (لا إلهَ إلا اللهُ)، وَهِيَ تَقُومُ على شَرْطينِ لا بُدَّ مِنْهُما، ولا يُمْكِنُ لأحدهما أَنْ يَقومَ بِدونِ الآخرِ:
أَوَّلُهُمَا: الجَحْدُ القَاطِعُ لِرُبُوبِيَّةِ وَأُلوهِيَّةِ كُلِّ مَعْبُودِ مِنْ دُونَ اللَّهِ؛ فَيَكْفُرُ بِهِ، وَيَنْخَلِعُ عنْ عِبَادَتِهِ.
الآخرُ: الاعتقادُ الجَازمُ بِأَن (اللهَ) هُوَ إِلَهُهُ وَرَبُّهُ وَمَعْبُودُهُ، المُسْتَحِقُّ للعبادةِ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ.
5- الجَزاءُ الإِلَهِيُّ الكَبيرُ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِـ﴿ الْعُرْوةِ الوُثْقَى ﴾؛ وهُوَ مَاثلٌ في التَّوفيقِ والثَّباتِ في الدُّنيا
والنَّجاةِ في الآخرةِ؛ كَالْمُتَمَسِّكِ بِعُرْوَةِ حَبْلٍ مَتِينٍ لَا يَنْقَطِعُ.
العُرْوَةُ الْوُثْقَى 1 (370).gifالعُرْوَةُ الْوُثْقَى 1 (370).gifالعُرْوَةُ الْوُثْقَى 1 (370).gif [*] انظر: ((جامع البيان)): (4/416-419 و 555-558 و 561) للطبري
و((معجم مقاييس اللغة)): (3/412) - مادة: (طَغَى) لابنِ فارسٍ، و((تفسير القرآن العظيم)):
(1/384) لابن كثيرٍ، و((التحرير والتنوير)): (3/28-29) لابن عاشور، و((أضواء البيان)):
(1/245و2/323و375و5/255)، و ((مجموع فتاوى ابن باز)): (4/8-9).