بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير الآية { و من يرتدد منكم عن دينه }
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين أما بعد فقد قال الله تبارك و تعالى : { وَمَن يَرْتَدِدْ
مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّار ِهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }، إعلم عزيزي المستمع أن ذنب الكفر هو أكبر الذنوب عند الله و هو الذنب الذي لا يغفره الله تعالى لمن مات عليه قال الله تبارك و تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ }، و اعلم يا أخي المسلم أن هناك إعتقاداتٍ و أفعالاً و أقوالاً تنقض الشهادتين و تخرج من دين الإسلام و توقع في الكفر و الضلال و ذلك بإتفاق المذاهب الأربعة و العلماء المعتبرين فقد قسم هؤلاء العلماء الكفر في كتبهم إلى ثلاثة أقسام هي: الكفر اللفظي و الكفر الفعلي و الكفر الإعتقادي.
الكفر اللفظي و مكانه اللسان و هو كشتم الله تعالى أو الأنبياء أو الملائكة أو دين الإسلام أو كشتم شعائر الإسلام كالصلاة أو الحج أو الزكاة أو غير ذلك و من الكفر اللفظي أيضاً الإستهزاء بالرسول صلى اله عليه و سلم كالإستهزاء بحال من أحواله أو بعمل من أعماله و كذلك الإستهزاء بشىءٍ من القرءان الكريم أو الأنبياء أو بحكم من أحكام الله تعالى، يقول الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }، و يقول الرسول صلى الله عليه و سلم:" إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق و المغرب " رواه البخاري و مسلم.
الكفر الفعلي و هو كالسجود لصنمٍ أو للشمس أو كإلقاء المصحف في القاذورات أو إلقاء أوراق العلوم الشرعية في القاذورات.
الكفر الإعتقادي و مكانه القلب و هو كالذي ينفي صفة من صفات الله تعالى الواجبة له إجماعاً كأن ينفي وجود الله عز و جل أو كونه تعالى سميعاً بصيراً و كذلك من يشبه الله تعالى بخلقه كأن يعتقد بقلبه مثلاً أن الله روح أو جسم قاعد فوق العرش أو منحلٌ و منتشرٌ في الأمكنة كالهواء فهذا كفرٌ و ضلالٌ و تكذيبٌ لقوله تعالى { ليس كمثله شىء }، يقول الإمام عبد الغني النابلسي : من اعتقد أن الله ملأالسماوات و الأرض أو انه جسمٌ قاعدٌ فوق العرش فهو كافر و إن زعم أنه مسلم.
و ليعلم أن حكم من وقع في أحد هذه الكفريات الثلاثة هو أن تحبط جميع أعماله و حسناته التي كان قد سبق أن عملها من صدقةٍ أو حجٍ أو صيامٍ أو نحوها لقوله تعالى:{ وَمَن يَكْفُرْبِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ }، و كذلك من أحكام من وقع في الردة أنه ينفسخ عقد الزواج الشرعي بينه و بين زوجته فتكون العلاقة بينهما بعد الكفر علاقة غير شرعية و يكون جماعه لها زنى و لا فرق بين أن يكفر الزوج أو أن تكفر الزوجة و اعلم أن الرجوع إلى دين الإسلام لمن وقع في احدى أقسام الكفر الثلاثة يكون بالإقلاع عن الكفر الذي وقع به و النطق بالشهادتين بنية الدخول في دين الإسلام و الشهادتان هما: أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمداً رسول الله، و ليعلم أن من وقع بالردة و العياذ بالله ثم قال أستغفر الله قبل أن يعود إلى الإسلام بقوله أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد ان محمداً رسول الله و هو على حالته فلا يزيده قوله أستغفر الله إلا إثماً و كفراً لأنه يكون كذب قوله تعالى { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ }، فالحذر الحذر يا أخي المسلم من الوقوع في أحد أقسام الكفر الثلاثة و احفظ لسانك عند الغضب و إياك و أن تتلفظ بألفاظ الكفر و الضلال فتكون من المرتدين الضالين فقد ثبت عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه ارتقى يوماً الصفا ثم اخذ بلسانه و قال: يا لسان قل خيرا تغنم و اسكت عن شر تسلم من قبل ان تندم اني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:" أكثر خطايا ابن ءادم من لسانه"، اللهم ءاتنا في الدنيا حسنة و في اللآخرة حسنة و قنا عذاب النار و الحمد لله رب العالمين.