في البدء، هناك نقطة لابد من أن نلاحظها في كل العلاقات الإنسانية، وهي أن على كل طرف في العلاقة الإنسانية أن يحسّ بأن للآخر خصوصيات لا يستطيع تجاوزها، كما أن له خصوصيات يريد من الآخرين ألا يتجاوزوها.
ولذلك، يجب على كل طرف ألا يعمل على إلغاء خصوصيات الطرف الآخر، بهدف أن يكون حراً في ممارسة خصوصياته.
وفي الحياة الزوجية، من الطبيعي أن يكون للزوج أهله وعلاقاته السابقة والحاضرة، وأن يكون للزوجة أهلها وعلاقاتها السابقة والحاضرة، لأن شخصية كل واحد منهما، وطبيعة اختلاف موقعه الاجتماعي وعلاقاته قد تجعل له خصوصية تختلف عن خصوصية الآخر. وقد يحدث الاختلاف في ثقافة كل منهما، فقد يملك أحدهما ثقافةً علميةً، والآخر ثقافةً أدبيةً. ولا يمكن، في هذه الحالة، لأحدهما أن يفرض ثقافته على الآخر مصادراً ثقافته الخاصة. وعلى هذا الأساس، من الطبيعي أن يتأثر الزوج بخصوصياته في بعض مراحل حياته الزوجية بطريقة قد تتحول إلى حالة سلبية تجاه زوجته، إما من جهة بعض الثغرات الموجودة في علاقة أهله بزوجته، أو من جهة علاقة بعض أصدقائه بزوجته... وهكذا المسألة بالنسبة للزوجة.
لابد للطرفين، في هذا المجال، من أن يضعا الحدود الفاصلة لخصوصياتهما حتى لا يقل أحدهما على الآخر في هذا الجانب. وإن عليهما، إذا احتاجت الحياة الزوجية أن يضحيا ببعض خصوصياتهما التي يمكن التضحية بها، لأنها لا تؤدي إلى حالة صعبة في حياة هذا الجانب أو ذاك، أن يضحيا بذلك، كالتضحية ببعض الصداقات أو العلاقات الطارئة.. التي قد لا تشكل شيئاً أساسياً في الحياة الزوجية.
أما بالنسبة إلى الخصوصيات التي تمثل حالةً أساسيةً، كعلاقة الزوج بأهله، أو علاقة الزوجة بأهلها، أو علاقة كل منهما بأهل الآخر، فإن مثل هذه الأمور لابد من أن تُدرس، بغية وضع الضوابط التي لا تجعل خصوصيات كل منهما تتحول إلى حالة عدوانية على خصوصيات الآخر. وهذا أمر يحتاج إلى كثير من الدقة والحكمة، نتيجة حساسية بعض العلاقات، بحيث قد يشعر الزوج أو الزوجة أمامها بالحرج، كما هي الحالات في مشاكل الأهل في داخل حياة أولادهما الزوجية، وهذا أمر لا يمكن أن توضع له خطوط تفصيلية، بل يمكن أن يوضع له خط عام يتمثل في أن يعتبر الزوج أن زوجته ليست زوجةً لكل أقربائه، بل هي زوجة له. وأن تعتبر الزوجة بأن زوجها زوج لها فقط، فلا تسمح لأقربائها بأن يتدخلوا في حياة زوجها، كما لو كانت لهم سلطة عليه. وكذلك الأمر بالنسبة للزوج.
قد تكون للأب سلطة على ولده، ولكن ذلك لا يبرر، أبداً، أن تكون له سلطة على زوجة ولده، وقد يكون للأب سلطة على ابنته، لكن ذلك، أيضاً، لا يبرر أن تكون له سلطة على زوج ابنته. الزوج والزوجة إنسانان مستقلان عن أهل كل منهما. لذلك علينا ألا نخلط بين الأمور.
ولكن قد يحتاج الأمر إلى بعض المجاملة من قبل الزوج أو الزوجة، لحفظ أوضاعهما الخاصة التي قد تؤثر على الأوضاع المشتركة. وهذا ما يجب على الزوجين أن يقوما به ويتفاهما عليه، من أجل ألا تأتي الرياح الخارجية لتنسف الحياة الزوجية من الداخل.