أعيننا في رمضان بين الصحة و الفقه
الصوم و العين
من المعلوم لدى كل مسلم، أن صوم شهر رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة، وصوم رمضان فريضة على المسلم البالغ العاقل الصحيح المقيم، بمعنى أنه ليس لديه عذر من الأعذار التي تبيح له الفطر مثل المرض أو السفر ونحو ذلك ، من الأعذار الشرعية. ونستطيع أن نلمس فضل الصيام من الحديث القدسي الذي رواه الرسول الكريم r عن جبريل عليه السلام عن الله عز وجل (كل عماد ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزى به) أخرجه مسلم وأحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال r. (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) أخرجه أحمد وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه. وسوف نستعرض بحول الله في هذا البحث، بعض النقاط الهامة التي تهم كل مسلم مثل: حكم القطرة بين الطب والفقه ومدى تأثير الصيام على أمراض العين ثم حكم صيام المريض الذي أجريت له عملية جراحية في عينه.
حكم القطرة بين الطب والفقه:
كلما جاء شهر رمضان ، شهر الهدى والفرقان، شهر البر والإحسان، نلاحظ أن هناك سؤلا تقليديا وموسميا يطرح نفسه تلقائيا وهو. هل استعمال القطرة أو العلاج الموضعي في العين أو الاكتحال يفطر؟
وعندما نجيب على هذا السؤال لابد لنا أن نستعرض آراء الفقهاء لبيان الحكم الشرعي وتوضيح القاعدة الفقهية بالإضافة إلى إيضاح الناحية الطبية المتعلقة بهذه المسألة، لكي نصل إلى إجابة مقنعة وسديدة… ويمكن بيان ذلك فيما يلي :
في البداية أحرى بنا أن نعلم أن الشرط في المفطر (المفسد للصوم) كما عرفه علماء الفقه كالآتي :
* أن يصل إلى الجوف ويستقر فيه.
* أن يكون الوصول إلى الجوف من المنافذ المعتادة مثل الفم والأنف والدبر، أما المسام والعين فلا تعتبران من منافذ الغذاء وليس ثمة اتصال بينهما وبين المعدة محل الطعام والشراب).
آراء الفقهاء:
رأي الإمام ابن حزم: قال الإمام ابن حزم: " إنما نهانا الله سبحانه وتعالى في الصوم عن الأكل والشرب والجماع وتعمد القيء. وما علمنا أكلا ولا شربا يكون على بر أو أذن أو عين، وما نهينا قط عن أن نوصل الجوف بغير الأكل والشرب ما لم يرم علينا إيصاله " (جريدة الشرق الأوسط في رمضان 1455 هـ).
رأي الإمام ابن تيمية: فاقد أوسع شيخ الإسلام ابن تيمية الموضوع إيضاحا، مبينا عدم صلاحية الأسس التي قاسوا عليه فساد الصوم بما دخل إلى الجوف، أيا كان الداخل. فبين أن الأدلة الشرعية ليس فيها ما يقتضي أن المفطر الذي اعتبر الشرع فقط هو ما كان واصلا إلى دماغ الوريد أو ما كان داخلا بين منفذ أو واصلا إلى جوف ثم نجد أن ابن تيمية يتفق مع ابن حزم على أنه يثبت بالإجماع أن الفطر يكون بالأكل والشراب والجماع والحيض، وليست الحقنة أو الكحل وما إلى ذلك مما يتداوى به (جريدة الشرق الأوسط في رمضان 1405 هـ).
رأي الشيخ محمود شلتوت: يقول فضيلة الشيخ محمود شلتوت في فتواه التي تتضمن ما يلي . " الاكتحال أو التقطير في العين أو مسها كل ذلك لا تأثير لشيء منه على الصوم… فهو ليس بأكل في صورته ولا معناه وهو بعد ذلك لا يصل إلى المعدة محل الطعام والشراب " (كتاب الفتاوى للشيخ محمود شلتوت).
رأي الشيخ عبد العزيز بن باز: وقد أفتى سماحة الشيخ ابن باز وأجاب عن أسألة السائلين بما يلي :
أثناء صيامي لشهر رمضان وضعت قطرة في عيني قبل الإمساك، ولم أكن أعلم أنها من المفطرات، وبعد أن علمت هذا من برنامجكم نور على الدرب في إحدى الحلقات نسيت ذلك، فوضعت القطرة ونزلت على البلعوم، شعرت بذلك عندما أحسست بشيء من المرارة في فمي، فما الحكم في ذلك؟
الصحيح أن القطرة والكحل لا يفطران مطلقاً في أصح قولي العلماء. وقال بعض أهل العلم: إنهما يفطران إذا وجد الصائم طعمهما في الحلق. والصواب الأول؛ لأن العين ليست منفذاً وهكذا الأذن ومن قضى ذلك اليوم احتياطاً فلا بأس. والأفضل للصائم استعمال القطرة والكحل في الليل احتياطاً وخروجاً من الخلاف.
نشر في مجلة الدعوة العدد 1527 في 5/9/1416هـ - مجموع فتاوى و مقالات متنوعة الجزء الخامس عشر
الأخت س . ل . ل . من الكويت، تقول في سؤالها: استعمال قطرة العين في نهار رمضان هل تفطر أم لا؟
الصحيح أن القطرة لا تفطر، وإن كان فيها خلاف بين أهل العلم، حيث قال بعضهم: إنه إذا وصل طعمها إلى الحلق فإنها تفطر. والصحيح أنها لا تفطر مطلقاً؛ لأن العين ليست منفذاً، لكن لو قضى احتياطاً وخروجاً من الخلاف من استعملها ووجد طعمها في الحلق فلا بأس، وإلا فالصحيح أنها لا تفطر، سواء كانت في العين أم في الأذن.
نشر في جريدة المسلمون يوم الجمعة الموافق 4/9/1415هـ - مجموع فتاوى و مقالات متنوعة الجزء الخامس عشر
أثناء صيامي لشهر رمضان وضعت قطرة لعيني قبل وقت الإمساك، ولم أكن أعلم أنها من المفطرات، وبعد أن علمت هذا من برنامجكم في إحدى الحلقات نسيت ذلك، فوضعت القطرة ونزلت إلى البلعوم شعرت بذلك عندما أحسست بشيء من المرار في فمي، فما هو حكم الشرع في ذلك؟
الصحيح أن القطرة والكحل لا يفطران، وإن كان فيها خلاف بين أهل العلم إذا وصل طعم الكحل أو القطرة إلى الحلق، قال بعض أهل العلم إنه يفطر، والصحيح أنه لا يفطر؛ لأنها ليست منفذاً، العين ليست منفذا، لكن من قضاء احتياطاً....... فلا بأس، وإلا فالصحيح أنه لا يفطر، القطرة في الأذن وفي العين والكحل في العين كل هذا الصحيح أنه لا يفطر الصائم؛ لأن العين ليست منفذاً.
هل قطرة العين تؤثر على الصيام؟
هذا فيه خلاف بين أهل العلم: منهم من يرى أنها تؤثر، ومنهم من يرى أنها لا تؤثر، والأقرب أنها لا تؤثر؛ لأن العين ليست منفذاً قوياً هي منفذ ضعيف وليس مثل الأكل والشرب ونحو ذلك، والأحوط جعلها في الليل جعل القطرة في الليل خروجاً من خلاف العلماء، فمن فعلها في النهار فصومه صحيح، لكن إذا وجد طعمها في حلقه فالأحوط له القضاء خروجاً من الخلاف. -وهذا ما يحصل فعلاً، يحصل أن الإنسان يطعمها في نحره إذا قطر في عينه؟ ج/ هذا يحصل بعض الأحيان، نعم. - إذاً الأولى؟ ج/ إذا حصل فالأحوط هو القضاء، وإن لم يحصل فلا شيء، وهكذا الكحل..
ما حكم استعمال معجون الأسنان، وقطرة الأذن، وقطرة الأنف، وقطرة العين للصائم، وإذا وجد الصائم طعمها في حلقه فماذا يصنع؟
تنظيف الأسنان بالمعجون لا يفطر به الصائم كالسواك، وعليه التحرز من ذهاب شيء منه إلى جوفه، فإن غلبة شيء من ذلك بدون قصد فلا قضاء عليه. وهكذا قطرة العين والأذن لا يفطر بهما الصائم في أصح قولي العلماء. فإن وجد طعم القطور في حلقه، فالقضاء أحوط ولا يجب؛ لأنهما ليسا منفذين للطعام والشراب، أما القطرة في الأنف فلا تجوز لأن الأنف منفذ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً))[1]. وعلى من فعل ذلك القضاء لهذا الحديث، وما جاء في معناه إن وجد طعمها في حلقه. والله ولي التوفيق.
[1] رواه الترمذي في الصوم باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم برقم 788 ، وأبو داود في الطهارة باب في الاستنثار برقم 142.
نشر في كتاب تحفة الإخوان لسماحته ص 175 ، وفي جريدة الجزيرة العدد 9589 بتاريخ 12/9/1419هـ - مجموع فتاوى و مقالات متنوعة الجزء الخامس عشر
بيان الناحية الطبية في استعمال القطرة:
في حالة استعمال القطرة في العين للعلاج، فإنه عندما يقوم المريض بوضع نقطة واحدة من القطرة في عينه، فإننا نلاحظ أن جزء ، منها يفقد إلى الخارج دون استفادة منه عند غلق العين ، أما الجزء المتبقي في كيس (فراغ) الملتحمة فنجد أن الجزء الأكبر منه يمتص بواسطة أنسجة العين أما الجزء الأصغر وهو جزء يسير جدا يختلط مع الدموع فيمر خلال رحلة الدموع المعروفة ابتداء من الثقب الدمعي تم إلى القنيوة الدمعية العلوية والسفلية اللتين تتحدان سويا فتكونان وصلة تؤدي إلى الكيس الدمعي الذي منه تمر الدموع إلى الماسورة (الوصلة) الدمعية الأنفية التي تفتح في الميزاب السفلي من تجويف الأنف.. وجزء من هذه الدموع تنزل مع إفرازات الأنف إلى الخارج في بعض الأحيان وجزء آخر يتجه إلى البلعوم الأنفي بسبب حركة أهداب جدار الأنف التي تتحرك حركة منتظمة إلى الخلف في اتجاه البلعوم الأنفي. ولذا نجد أن جزءا صغيرا جدا ل لا يذكر يصل إلى البلعوم الأنفي وهذا يفسر لنا لماذا يشعر المريض في حلقه بطعم مميز لبعض القطرات، بسبب استثارة براعم التذوق الموجودة بالحلق والثلث الخلفي من اللسان ويمكن أن نوضح هذه الظاهرة بأنها مجرد الإحساس بطعم القطرة فقط في الحلق إذا كانت القطرة لها طعم مميز فمثلا نجد أن مادة الكلورا مفنينيكول سواء أكانت معدة في قطرة مستقلة، أو محضرة ضمن محتويات بعض القطرات المختلطة الأخرى ، لها طعم مر وبعض القطرات الأخرى لها طعم مالح.. الخ.
فلا شيء على الإطلاق إذا أحس المريضة بطعم في حلقه.. ومن ناحية أخرى لكي يطمئن المريض ومن باب الحيطة ودفع الوسوسة يموت للمريض إذا شعر بطعم في حلقه أن يبصق في منديي أو نحوه لطرد طعم القطرة الموجود في الحلق وإن لم يفعل ذلك فلا شيء عليه ، لأن هذا مجرد طعم في الحلق ولا يصل شيء من القطرة بأي حال من الأحوال إلى المعدة ، وجدير بالذكر أن الاكتحال أو العلاج الموضعي للعين مثل المراهم أو حقن تحت الملتحمة تأخذ حكم القطرة من الناحيتين الشرعية والطبية، سواء بسواء، ومن ناحية أخرى ، أن هناك ضرورة في استعمال القطرات والعلاجات الموضعية للعين، بأنواعها المختلفة .
أثر الصوم على أمراض العين:
هناك بعض أمراض العين تتحسن تحسنا ملموسا بالصوم. وهذه من حكمة الله أن جعل الصوم مفيدا لصحة الإنسان ومن أهم الأمراض التي تتحسن بالصوم الجلوكوما المزمنة البسيطة.
يحدث هذا المرض في العقد السادس من العمر ويصيب الرجال والنساء بنفس النسبة. ويتميز بالعلاقات المرضية الآتية: ارتفاع في ضغط العين، انكماش في المجال البصري (ميدان النظر)، تكوب حليمة العصب البصري مما يؤدي في النهاية إلى حدوث ضمور بالعصب البصري الأمر الذي ينتج عنه كف البصر (العمى).
الحقيقة الثابتة، أنه وجد أن هذا المرض يتحسن تحسنا ملحوظا بالصوم ولا سيما إذا حافظ المريض على صيام شهر رمضان بالإضافة إلى صوم النافلة ويمكن تفسير ذلك، بأنه أثناء الصيام يزيد تركيز الدم أي تقل نسبة الماء الموجودة فيه، وبالتالي يحدث انخفاض في معدل إفرازات الغدد المختلفة بالجسم.
ولهذا نجد أن زوائد الجسم الهدبي بالعين المسئولة عن إفراز السائل المائي تتأثر بنفس! (الميكانيزم) مما يؤدي إلى انخفاض معدل إفراز السائل المائي المسئول عن تنظيم حفظ العين فسيولوجيا.
اما عن دورة السائل المائي، فهو يفرز عن طريق زوائد الجسم الهدبي ويصب في الخزانة (الغرفة) الخلفية للعين ثم يمر خلال حدقة العين إلى الغرفة (الخزانة) الأمامية، ثم إلى زاوية الخزانة الأمامية، ثم يسلك طريقه خلال الدروب الغربالية وقناة شليم إلى أن يصل إلى الأوعية الدموية الموجودة على السطح الصلب.
ولكي نحافظ على بقاء ضغط العين الداخلى في المعدل الطبيعي الذي يتراوح بين 12- 22مليمتر زئبقي، فمن الضروري أن يحدث توازن بين معدل إفراز السائل المائي بواسطة زاوية الجسم الهدبي ومعدل تصريفه من جهة أخرى عبر المسالك المخصصة لذلك.
وهكذا نجد أن الصوم يؤدي إلى انخفاض في معدل إفراز السائل المائي وهذا بدوره يؤدي إلى انخفاض ضغط العين الداخلي، وهذا هو نفس المفعول الذي يحدث نتيجة استعمال العقاقير المخفضة لضغط العين التي تعمل على تثبيط نشاط زوائد الجسم الهدبي مثل عقار الدايموكس الذي يمكن إعطاؤه عن طريق الفم أو عن طريق الحقن.
الجلوكوما الحادة الاحتقانية.
وهذا النوع من الجلوكوما يحدث في العقد الخامس من العمر ويصيب النساء أكثر من الرجال بنسبة 3 : 1 كما أن الشخص العاطفي حاد الطبع عصبي المزاج يكون أكثر تعرضا للمرض من الشخص العاطفي الذي لا يتفاعل تفاعلا خاطئا مع المشكلات التي تواجهه. بالإضافة إلى أن هذا النوع يحدث بنسبة كبيرة لدى الأشخاص الذين يعانون من طول النظر حيث تتميز عيونهم بصغر حجمها والخزانة الأمامية تكون ضحلة وزاويتها تكون ضيقة.
اعتلالات الشبكية
والدور الذي يؤديه الصوم في مثل هذه الحالات يعتبر أساسا دورا وقائيا إذ أن الصيام له تأثير ملحوظ في تحسين حالات ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين والسكري مما ينتج عنه كسر سلسلة التغيرات المرضية ومنع تفاقمها في هذه الحالات الأمر الذي يؤدي إلى تقليل حدوث المضاعفات إلى حد كبير.
ومن أهم هذه المضاعفات حدوث اعتلالات الشبكية التي تؤدي إلى تدهور حدة الإبصار إلى حد العمى. أما في حالات اعتلالات الشبكية الموجودة بالفعل فإن الصيام يساعد على استقرار الحالة وعدم تفاقم حدتها وهذا يعتبر في حد ذاته عاملا مهما والجدير بالذكر أنه لا يوجد أي مرض من أمراض العين يزيد حدوثه أو يتأخر شفاؤه أو يتفاقم حدته بسبب الصيام لأنه طالما يستعمل المريض العلاجات الموضعية للعين الخاصة بهذه الحالات بصفة منتظمة ليلا ونهارا، حيث إن جميع العلاجات الموضعية للعين لا تفطر وبالتالي لا تتأثر الحالة المرضية للعين بسبب الصيام.
الصيام وجراحة العين
يختلف الوضع حسب نوع العملية الجراحية التي أجريت للمريض في عينيه وإذا نظرنا إلى العمليات الجراحية للعين نجد أنها تنقسم إلى قسمين أساسيين:
1- العمليات الصغرى.
مثل عمليات الشعرة والكيس الدهني وإزالة حبيبات التراكوما (عملية الفصد) وعمليات الظفر واللحمية وتسليك مجرى، الدموع وإزالة جسم غريب من على سطح القرنية بالنسبة للمريض الذي أجريت له عملية صغرى، فعليه أن يصوم وليس هناك أي ضرر يقع عليه بسبب الصيام، لأن مثل هذه العمليات لا تؤثر مطلقا على الصيام بأي شكل.
وإذا احتاج المريض إلى علاج بالفم مثل المضادات الحيوية فيمكن أن يصف له الطبيب المعالج أدوية طويلة المفعول يتعاطاها في الفترة بين المغرب والفجر أو يمكن أن يتناول المريض مثل هذه الأدوية عن طريق الحقن أثناء الصيام، حيث إن الحقن لا تفطر من الناحية الشرعية، كما أفتى بذلك أهل العلم، ما عدا حقن الجلوكوز لأنها تعتبر غذاء.
2- العمليات الكبرى:
مثل عمليات الماء الأبيض (الكتاركت) والماء الأزرق (الجلوكولما) وترقيع القرنية والانفصال الشبكي وعمليات إزالة أورام العين وعمليات الحجاج.. ألخ. وبالنسبة للمريض الذي أجريت له عملية كبرى في عينه، له أن يفطر، ولا حرج عليه.
العين البشرية جوهرة، وهي أداة النظر التي تمكننا من رؤية الأشياء حولنا، إنها هبة من الخالق العظيم لا يمكن تقديرها بثمن. وتعتبر حاسة البصر من أهم الحواس الخمس؛ لأنها المسئولة عن تلقي 50% من الإشارات التي تدخل إلى الدماغ مما يحيط بالإنسان من أحداث. والحقيقة أن هناك بعض أمراض العين تتحسن تحسنا ملموسا بالصوم.. وهذا من حكمة الله جل وعلا أن جعل الصوم مفيدا لصحة الإنسان، وهذا مصداق لقوله تعالى في محكم التنزيل {وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} (البقرة: 184).
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وكل عام وانتم بخير
المصدر : قسم التعليم الطبي بمركز ابن رشد التخصصي
ويمكن أن نعطي فكرة مبسطة عن أهم أمراض العيون التي تتحسن بالصوم وهي كالآتي:
1- الجلوكوما (الماء الأزرق) المزمنة البسيطة: يحدث هذا المرض في العقد السادس من العمر، ويصيب الرجال والنساء بنفس النسبة. ويتميز بالعلاقات المرضية الآتية: ارتفاع في ضغط العين، انكماش في المجال البصري (ميدان النظر)، تكوب حليمة العصب البصري؛ وهو ما يؤدي في النهاية إلى حدوث ضمور بالعصب البصري الأمر الذي ينتج عنه كف البصر (العمى). وقد وجد أن هذا المرض يتحسن تحسنا ملحوظا بالصوم، ولا سيما إذا حافظ المريض على صيام شهر رمضان بالإضافة إلى صوم النافلة. ويمكن تفسير ذلك، بأنه أثناء الصيام يزيد تركيز الدم، أي تقل نسبة الماء الموجودة فيه، وبالتالي يحدث انخفاض في معدل إفرازات الغدد المختلفة بالجسم. ولهذا نجد أن زوائد الجسم الهدبي بالعين المسئولة عن إفراز السائل المائي تتأثر بنفس (الميكانيزم)، ما يؤدي إلى انخفاض معدل إفراز السائل المائي المسئول عن تنظيم حفظ العين فسيولوجيا. والصوم بدوره يؤدي إلى انخفاض في معدل إفراز السائل المائي، وهذا بدوره يؤدي إلى انخفاض ضغط العين الداخلي، وهذا هو نفس المفعول الذي يحدث نتيجة استعمال العقاقير المخفضة لضغط العين التي تعمل على تثبيط نشاط زوائد الجسم الهدبي، مثل عقار الدايموكس Diamox الذي يمكن إعطاؤه عن طريق الفم أو عن طريق الحقن. تحذيــــــــــر من الضروري عدم الإفراط في تناول كميات كبيرة من السوائل أو المشروبات والماء بعد سماع أذان المغرب مباشرة، بينما تكون المعدة في هذه الحالة خالية تماما. وإذا حدث ذلك فإننا نجد أن هذه السوائل يتم امتصاصها من الأمعاء بمعدل سريع، فتذهب مباشرة إلى الدم؛ مما يؤدي إلى انخفاض تركيز الدم؛ وبالتالي تحدث زيادة ملحوظة في إفراز السائل المائي بواسطة الجسم الهدبي مما ينتج عنه زيادة ضغط العين وبخاصة لدى مرضى الجلوكوما المزمنة البسيطة، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم الحالة وزيادة حدتها.
2- الجلوكوما (الماء الأزرق) الحادة الاحتقانية: هذا النوع من الجلوكوما يحدث في العقد الخامس من العمر، ويصيب النساء أكثر من الرجال بنسبة 3 : 1 كما أن الشخص العاطفي حاد الطبع عصبي المزاج يكون أكثر تعرضا للمرض من الشخص العاطفي الذي لا يتفاعل تفاعلا خطأ مع المشكلات التي تواجه. بالإضافة إلى أن هذا النوع يحدث بنسبة كبيرة لدى الأشخاص الذين يعانون من طول النظر، حيث تتميز عيونهم بصغر حجمها، والخزانة الأمامية تكون ضحلة أو قل: إن زاويتها تكون ضيقة. ولا شك أن الحالة النفسية المطمئنة والصفاء الروحي والنفحات الإيمانية التي يعيش فيها الصائم.. كل ذلك يؤدي إلى استقرار حالته النفسية والعصبية. ومن ثم يكون الصائم أقل عرضة من غيره للإصابة بالاضطرابات العصبية والنفسية التي تؤدي إلى حدوث الجلوكوما الحادة الاحتقانية.. وسط هذا المنطلق نستطيع أن نقول: إن دور الصيام في مثل هذه الحالات يعتبر دورا وقائيا في المقام الأول.
3- أمراض للشبكية هناك بعض أمراض الجسم العامة التي تؤدي إلى حدوث اعتلالات بالشبكية ومن أهمها: - حالات ارتفاع ضغط الدم. - حالات تصلب الشرايين. - مرض السكري. والدور الذي يؤديه الصوم في مثل هذه الحالات يعتبر أساسا دورا وقائيا، إذ إن الصيام له تأثير ملحوظ في تحسين حالات ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين والسكري، ما ينتج عنه كسر سلسلة التغيرات المرضية ومنع تفاقمها في هذه الحالات، الأمر الذي يؤدي إلى تقليل حدوث المضاعفات إلى حد كبير. ومن أهم هذه المضاعفات حدوث اعتلالات الشبكية التي تؤدي إلى تدهور حدة الإبصار إلى حد العمى. أما في حالات اعتلالات الشبكية الموجودة بالفعل فإن الصيام يساعد على استقرار الحالة، وعدم تفاقم حدتها، وهذا يعتبر في حد ذاته عاملا مهما. والجدير بالذكر أنه لا يوجد أي مرض من أمراض العين يزيد حدوثه أو يتأخر شفاؤه أو تتفاقم حدته بسبب الصيام طالما أن المريض يستعمل العلاجات الموضعية للعين الخاصة بهذه الحالات بصفة منتظمة ليلا ونهارا، حيث إن جميع العلاجات الموضعية للعين لا تفطر، وبالتالي لا تتأثر الحالة المرضية للعين بسبب الصيام.
4- صيام المريض والعمليات الجراحية: في الواقع يختلف الوضع حسب نوع العملية الجراحية التي أجريت للمريض في عينه، وإذا نظرنا إلى العمليات الجراحية للعين نجد أنها تنقسم إلى قسمين أساسيين:
أ) العمليات الصغرى:
مثل عمليات الشعرة والكيس الدهني وإزالة حبيبات التراكوما (عملية الفصد) وعمليات الظفر واللحمية وتسليك مجرى الدموع وإزالة جسم غريب من على سطح القرنية. وبالنسبة للمريض الذي أجريت له عملية صغرى فعليه أن يصوم، وليس هناك أي ضرر يقع عليه بسبب الصيام، لأن مثل هذه العمليات لا تؤثر مطلقا على الصيام بأي شكل.. ويحضرنا قول المولى تبارك وتعالى {وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} (البقرة: 184). وإذا احتاج المريض إلى علاج بالفم مثل المضادات الحيوية، فيمكن أن يصف له الطبيب المعالج أدوية طويلة المفعول يتعاطاها في الفترة بين المغرب والفجر، أو يمكن أن يتناول المريض مثل هذه الأدوية عن طريق الحقن أثناء الصيام، حيث إن الحقن لا تفطر من الناحية الشرعية، كما أفتى بذلك أهل العلم، ما عدا حقن الجلوكوز لأنها تعتبر غذاء.
ب) العمليات الكبرى:
مثل عمليات الماء الأبيض (الكتاركت) والماء الأزرق (الجلوكولما) وترقيع القرنية والانفصال الشبكي وعمليات إزالة أورام العين وعمليات الحجاج… إلخ. وبالنسبة للمريض الذي أجريت له عملية كبرى في عينه، له أن يفطر، ولا حرج عليه. وكذا يدل دلالة واضحة على تيسير وسماحة الشريعة الإسلامية. ونستطيع أن نفهم ذلك من قول الله جل شأنه: {يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا} (النساء: 28)، وقوله علا قدره {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} (البقرة: 185) وقوله جل شأنه {وما جعل عليكم في الدين من حرج} (الحج: 78). وكذلك نستطيع أن نلمس يسر الدين الحنيف في قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه" أخرجه البخاري.
5- استعمال القطرة: عندما يقوم المريض بوضع القطرة في عينه، فإننا نلاحظ أن جزءا منها يفقد إلى الخارج دون استفادة منه عند غلق العين، وجزءا آخر يمتص بواسطة أنسجة العين. أما الجزء الأصغر وهو جزء يسير جدا فيختلط مع الدموع ليمر خلال رحلة الدموع المعروفة ابتداء من الثقب الدمعي ثم إلى القنيوتين الدمعيتين العلوية والسفلية اللتين تتحدان سويا فتكونان وصلة تؤدي إلى الكيس الدمعي الذي منه تمر الدموع إلى الماسورة (الوصلة) الدمعية الأنفية التي تفتح في الميزاب السفلي من تجويف الأنف. وجزء من هذه الدموع تنزل مع إفرازات الأنف إلى الخارج في بعض الأحيان، وجزء آخر يتجه إلى البلعوم الأنفي بسبب حركة أهداب جدار الأنف التي تتحرك حركة منتظمة إلى الخلف في اتجاه البلعوم الأنفي. ولذا نجد أن جزءا صغيرا جدا لا يذكر يصل إلى البلعوم الأنفي، وهذا يفسر لنا لماذا يشعر المريض في حلقه بطعم مميز لبعض القطرات، بسبب استثارة براعم التذوق الموجودة بالحلق والثلث الخلفي من اللسان. ويمكن أن نوضح هذه الظاهرة بأنها مجرد الإحساس بطعم القطرة فقط في الحلق إذا كانت القطرة لها طعم مميز، فلا شيء على الإطلاق إذا أحس المريض بطعم في حلقه. ومن ناحية أخرى لكي يطمئن المريض ومن باب الحيطة ودفع الوسوسة يمكن للمريض إذا شعر بطعم في حلقه أن يبصق في منديل أو نحوه لطرد طعم القطرة الموجود في الحلق وإن لم يفعل ذلك فلا شيء عليه.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وكل عام وانتم بخير
المصدر : قسم التعليم الطبي بمركز ابن رشد التخصصي