لو أعدنا تشغيل قصة هرقل المشهورة كسناب فسنراه يسأل أبا سفيان عن هذا النبي الذي بلغت أخباره الآفاق ولا يملك ما يملكونه، ونشاهد أبا سفيان لا يملك إلا أن «يغرد» بالحقيقة وما يستطيع أن يكذب حياءً من الكذب! فكان يصف محمدًا بأجمل الأوصاف..
لم يكن في زمنهم، ولا مجرد خيال؛ «جلاكسي» «آيفون» «تويتر» «فيسبوك» «سناب» و...و... و...إلخ. ولا وسائل إعلام أخرى، فقط كان اعتمادهم على نقل الخبر (مشافهةً) بين الأفراد، كان ذلك قبل ألفٍ وأربعمئة سنة. فبعث فيهم محمد صلى الله عليه وآله، «وحيدًا» لا ميزانية، ولا كاميرات، ولا إعلام، ولا صحافة، ولا سوشيال ميديا، ولا ... ولا ...
بل على العكس تمامًا كان مستخفيًا صلى الله عليه وآله، فإذا بـ»سناباته» بحسب تعبيرنا العصري تبلغ مشارق الأرض ومغاربها، ويناقشها ويستمع إليها «ملوك فارس والروم» ولم يكن متابعوه صلى الله عليه وآله متفقين معه فيما جاء به، بل هم على خلافه تماماً، وكان أتباعه قلة قليلة، بلغوا أربعين في خمس سنوات!
وفرض على مخالفيه، قبل متابعيه بأخلاقه وسماته وسمو ما جاء به أن يتناقلوا ما يفعله ويقوله ويقوم به، ويصفوا حركاته وسكناته، وبمعنى عصري «يرتوتون» ما يقوم به، ولكون المجتمع آنذاك كان نابذًا للكذب والتزوير، ولم يكونوا قد عرفوا الفوتوشوب وبرامج التحرير، اضطروا لنقل الحقيقة بطريقة مجردة عما يرغب فيها!
ولو أعدنا تشغيل قصة هرقل المشهورة كسناب فسنراه يسأل أبا سفيان عن هذا النبي الذي بلغت أخباره الآفاق ولا يملك ما يملكونه، ونشاهد أبا سفيان لا يملك إلا أن «يغرد» بالحقيقة وما يستطيع أن يكذب حياءً من الكذب! فكان يصف محمدًا بأجمل الأوصاف، وما أدخل في حديثه إلا «لمزة» مفضوحة حين سأله «هل يغدر؟» قال: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها!
وليست هذه القصة هي «السنابة الوحيدة» بل تعددت في أنحاء الأرض، وتنوعت ما بين سياسية وأخلاقية وإنسانية، ولم يكن صلى الله عليه وآله يخفي من نفسه شيئًا، حتى ما يتعلق بحياته الخاصة، لم تكن حالة مشاهدتها «الأصدقاء فقط» أو «أنا فقط» بل كانت مفتوحة للأمة عامة «قصتي» وكان الماضون يسمونها السيرة.
ولم يكن هذا الخيار خادشًا لمقام النبوة ولا مسقطًا لهيبة الرسالة، بل هو منها تمامًا كما أمر (قل إنما أنا بشر مثلكم) فكان الصحابة ينقلون عنه كل شيء مما لم يكن من عورات ممنوعة شرعًا، وكانت الكواليس إن صح التعبير لا إعادة فيها لتحسين اللقطة، بل كان كل شيء «لايف» بثًّا مباشرًا، وسجلت تلك المواقف والأخلاق في ذواكر الصحابة رضي الله عنهم لينقلوها إلى العالم في صور متعددة ومناسبات متفرقة لتكون دروسًا لكل الأمة بمختلف توجهات أفرادها، وفي كل المجالات، فالسياسي يأخذ من منهجه صلى الله عليه وآله منارًا ليس فقط لأنه نبي ولكن لأنه بنى دولة من الصفر إلى أن أصبحت قوة عظيمة عسكريًا واقتصاديًا وأمنياً في بضع سنوات!
ويأخذ القائد من غزواته وخططه نبراسًا ليس لأنه رسول الله وحسب، بل لأنه هزم بجماعة ضعيفة عسكريًا، قليلة عددياً، قوة جبروتية مغرورة لا ينقصها عدد ولا عتاد!
ويأخذ الأب من سناباته - إن صح التعبير - الرفق واللين والرحمة والحرص والإنسانية، ويأخذ العالِم من سمو سمته وحسن سلوكه ما يجعله مقبولاً في المجتمع لينشر دعوته بعيدًا عن التكلف والتوهمات الهزيلة، فإنا نجد من الناس من يتحرز في لبسه وكلامه ومأكله ومشربه فلا يحب أن يراه أحد بغير الهيئة الرسمية ظنًا منه أنه هذا يسقط من مكانة العلم وهيبة الفقه! ولو كان ذلك كذلك «ما كشف صلى الله عليه وآله فخذه وأذن لأبي بكر وعمر بالدخول عليه على تلك الحال، ولم يقل لعائشة لا تنقلي شيئًا، ولا أخذ بيد جارية ومضى في حاجتها في شارع، ولا وقف ينظر لرقص الحبشة في مسجده، ولا نزل من على منبره ليقبل أبناءه وهو في موقف رسمي شرعي! تلك كانت سنابات النبوة، على الطبيعة، محققة قوله (وما أنا من المتكلفين). ولنا به أسوة حسنة. هذا، والله من وراء القصد.
----------------------------------
وصل:ألله علي نبى الهدي وسيدألإنبياء
عليه افضل الصلاة والسلام..
ألإحـــــــ1439/6/2هـــــ.ــــد::