اللَّهمَّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّد
أيّها الناس إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة ، شهر
هو عند الله أفضل الشهور، وأيّامه أفضل اﻷيّام ، ولياليه أفضل اللّيالي ،
وساعاته أفضل السّاعات ، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله ، وجعلتم
فيه من أهل كرامة الله ، أنفاسكم فيه تسبيح ، ونومكم فيه عبادة ، وعملكم
فيه مقبول ، ودعاؤكم فيه مستجاب.
فسلوا الله ربّكم بنيّات صادقة ، وقلوب طاهرة أن يوفّقكم لصيامه ، وتﻼوة
كتابه ، فانَّ الشقيَّ من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم ، واذكروا
بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه ، وتصدَّقوا على فقرائكم
ومساكينكم ووقّروا كباركم ، وارحموا صغاركم ، وصلوا أرحامكم ، واحفظوا
ألسنتكم ، وغضّوا عمّا ﻻ يحلُّ النّظر إليه أبصاركم ، وعمّا ﻻ يحلُّ اﻻستماع
إليه أسماعكم ، وتحنّنوا على أيتام النّاس يتحنّن على أيتامكم ، وتوبوا إلى
الله من ذنوبكم. وارفعوا إليه أيديكم بالدّعاء في أوقات صلواتكم ، فانّها أفضل
السّاعات ينظر الله عزَّوجلَّ فيها بالرَّحمة إلى عباده ، يجيبهم إذا ناجوه،
ويلبيّهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه.
أيّها النّاس إنَّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكّوها باستغفاركم ، وظهوركم ثقيلة
من أوزاركم فخفّفوا عنها بطول سجودكم ، واعلموا أنَّ الله تعالى ذكره أقسم
بعزَّته أن ﻻ يعذِّب المصلّين والسّاجدين ، وأن ﻻ يروّعهم بالنّار يوم يقوم النّاس
لربّ العالمين.
أيّها النّاس من فطّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشّهر كان له بذلك عند الله
عتق رقبة ، ومغفرة لما مضى من ذنوبه ، قيل : يا رسول الله! وليس كلّنا
يقدر على ذلك ، فقال عليه السّﻼم : اتّقوا النار ولو بشقّ تمرة ، اتّقوا النار
ولو بشربة من ماء.
أيُّها الناس من حسّن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جوازاً على الصّراط
يوم تزلُّ فيه اﻷقدام ، ومن خفّف في هذا الشهر عمّا ملكت يمينه ، خفّف الله
عليه حسابه ، وكفَّ فيه شرَّه كفَّ الله عنه غضبه يوم يلقاه ، ومن أكرم فيه
يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه ، ومن وصل فيه رَحِمَه وصله الله برحمته يوم يلقاه ،
ومن قطع فيه رَحِمَه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه ، ومن تطوَّع فيه بصﻼة
كتب الله له براءة من النّار، ومن أدَّى فيه فرضاً كان له ثواب من أدَّى
سبعين فريضة فيما سواه من الشّهور، ومن أكثر فيه من الصّﻼة عليّ ثقّل
الله ميزانه يوم تخفُّ الموازين ، ومن تﻼ فيه آية من القرآن كان له مثل
أجر من ختم القرآن في غيره من الشّهور.
أيُّها الناس! إنَّ أبواب الجنان في هذا الشّهر مفتّحة ، فسلوا ربّكم أن
ﻻ يغلقها عليكم ، وأبواب النيران مغلّقة فسلوا ربّكم أن ﻻ يفتحها عليكم،
والشيّاطين مغلولة فسلوا ربّكم أن ﻻ يسلّطها عليكم.
قال أمير المؤمنين عليه السّﻼم : فقمت فقلت : يا رسول الله! ما أفضل اﻷعمال
في هذا الشهر ؟ فقال : يا أبا الحسن أفضل اﻷعمال في هذا الشهر
الورع عن محارم الله عزَّوجلَّ. ثمَّ بكى فقلت : يا رسول الله! ما يبكيك ؟
فقال : يا عليُّ أبكي لما يستحلُّ منك في هذا الشهر، كأنّي بك وأنت
تصلّي لربّك ، وقد انبعث أشقى اﻷوَّلين شقيق عاقر ناقة ثمود ،
فضربك ضربة على قرنك فخضّب منها لحيتك.
قال أمير المؤمنين عليه السّﻼم : فقلت : يا رسول الله! وذلك في سﻼمة من
ديني ؟ فقال صلى الله عليه وآله : في سﻼمة من دينك. ثمَّ قال : يا عليُّ! من
قتلك فقد قتلني، ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن سبّك فقد سبّني ، ﻷنّك منّي
كنفسي ، روحك من روحي ، وطينتك من طينتي ، إنَّ الله تبارك وتعالى
خلقني وإيّاك واصطفاني وإيّاك ، واختارني للنبوَّة ، واختارك لﻺمامة ،
ومن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوّتي.
يا عليُّ! أنت وصيّي ، وأبو ولدي ، وزوج ابنتي ، وخليفتي على اُمتي
في حياتي وبعد موتي؛ أمرك أمري ، ونهيك نهيي ، اُقسم بالّذي بعثني
بالنبوَّة ، وجعلني خير البريّة ، إنّك لحجّة الله على خلقه ، وأمينه على
سرّه ، وخليفته على عباده.