عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 03-28-2025, 04:21 PM
نجوم نعناع
البرنسيسة غير متواجد حالياً
Iraq     Female
لوني المفضل Black
 رقم العضوية : 63
 تاريخ التسجيل : Mar 2025
 فترة الأقامة : 27 يوم
 أخر زيارة : 04-03-2025 (12:02 AM)
 الإقامة : بغداد
 المشاركات : 2,329 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : البرنسيسة is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي الأخذ بالأسباب المادية في التصرفات النبوية



التصرف النبوي في الهجرة يعزز السببية:
قرار الهجرة من حيث المبدأ تأكيد على أصل الأخذ بالأسباب، فهي تحول من أرض إلى أرض أخرى في إطار البحث عن وطن آمن للدعوة، فلم يأمر الله نبيه بالبقاء بمكة وانتظار الخوارق والمعجزات، وكل ذلك في قدرته سبحانه، بل وجههم بالأخذ بالتدبير البشري الذي سيكون منهجا متبعا للمسلمين في سائر الظروف المشابهة.
وإذا أجملنا الأسباب المادية التي أخذ بها النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحادثة لربما توهم القارئ بعد ذلك أنه قد بالغ في الأخذ بالأسباب، مع أن الله قد أعلمه بأنهم لن يخلصوا إليه، ويدل على ذلك تطمينه لأبي بكر، وكان في سيره لا يلتفت للطلب وراءه، ومع ذلك كان في مقام التشريع، فلا بد من التدبير الواعي الذي يجمع بين الإيمانيات الباطنة والأسباب الظاهرة، حتى تقتدي به أمته، وتنهج منهجه في شؤونها الدنيوية والأخروية.
وقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم شهورا يرتب لحظة الخروج، فاختار الرفيق وفق معايير الثقة والمحبة، واتخذ الراحلة بعد تمام إعدادها، واختار دليل الطريق، وناقل الأخبار، ومن يزودهم بالطعام والشراب في الصباح وفي المساء، وجعل من ينام مكانه تعمية على العدو، وخرجا من منفذ غير معهود من البيت، وسرى ليلا ولم يخرج نهارا، وبدل أن يتجه شمالا جهة المدينة حوَّل وجهته جنوبا جهة اليمن؛ تغريرا بالطلب وإمعانا في التمويه، واختبأ في الغار ثلاثة أيام حتى فترت الجهود المحمومة، وجعلا عامر ابن فهيرة يطمس آثار الأقدام ومعالمها من بعدهما إلى غير ذلك من الأمثلة.
وقد أثبت هذا المنهج النبوي أن الجمع بين الجوانب الروحية والمادية هو المتوافق مع الشرع والعقل والفطرة، فالحضارات التي قامت على الماديات المحضة، وارتهنت للأسباب، وأهملت الجانب الروحي للإنسان قد أثبت الواقع فشلها وبؤسها، ولم تستطع التعامل السوي مع الإنسان المخلوق من روح وجسد، وأن الدعوات الروحانية المحضة التي أهملت الأسباب، وصورت للإنسان أن ذلك يتعارض مع الإيمان بالله قد اجتزأت الحقيقة، وأورثت تلك الدعوات مظاهر السلبية والعجز عن إقامة حضارة للمسلمين أو حتى المشاركة في مشاريع البناء والشهود الحضاري للأمة، بل ربما تحولوا إلى معاداة المشاريع النهضوية والتجني على العاملين فيها، وهكذا فإن اجتزاء الحق والمبالغة في أخذ طرف منه باب انحراف في أي قضية من قضايا الشرع، ومنها قضية التوكل والأسباب.



 توقيع : البرنسيسة


رد مع اقتباس