يقول ربُّنا - جلَّ في علاه - في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 183 - 186].
أيُّها الإخوة:
ما أعظمه من لقاء بعد طول فراق! وما أروعه من تدانٍ بعد هذه الرّحلة الطويلة! فالقلوب متلهِّفة، والأرْواح متعطِّشة، والنفوس متطلِّعة إلى سماء علياك يا شهر الصّيام، والعيون بشوق إلى رؤية أنوار لياليك يا شهرَ رمضان الأجلَّ الأغرَّ، لقد برَّح بنا الشَّوق إلى لقائك، وها نَحن نستحثُّ الرَّكائب، ونحثُّ المطايا للمُضِيِّ والدّخول في ساحاتِك النُّورانيَّة يا شهْرَ القُرآن والبر والإحْسان، نقف في أُفق عالمِنا لنقول لك كما قال أميرُ المؤمنين عمر بن الخطَّاب: "مرْحبًا بمطهِّرنا"، كان خليفة رسولِ الله عمر بن الخطَّاب إذا أقبل شهر رمضان قال: "مرحبًا بمطهِّرنا"، فمرحبًا بمطهِّرنا، مرحبًا بكَ وأهلاً، وكلَّ عام والأمَّة الإسلاميَّة بخير في طاعة الله ورضوانِه.
أيُّها الإخوة:
إنَّ الصوم تميَّز عن سائر العبادات والطَّاعات بخصوصيَّة النّسبة إلى الله تعالى؛ قال الله - تعالى - في الحديث القدُسي، الذي يَرويه أبو هُريرة - رضِي الله عنْه - قال: قال النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قال الله - عزَّ وجلَّ -: كلُّ عمل ابنِ آدَم له إلاَّ الصِّيام فإنَّه لي وأنا أجْزي به، والصّيام جنَّة، فإذا كان يوم صوْم أحَدِكم فلا يرفثْ يومئذٍ ولا يصْخب - الخصام والصّياح - فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله، فليقُل: إني امرؤٌ صائم، والَّذي نفس محمَّدٍ بيده لَخُلُوف فمِ الصَّائم - الرائحة - أطيبُ عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصَّائم فرحتان يفرحُهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقِي ربَّه فرح بصومه))؛ رواه البخاري ومُسلم.
"إلاَّ الصوم فإنَّه لي وأنا أجزي به": تجاوز الصّيام قانون التَّقدير والحصْر والعدّ والحساب، ناهيك عن فضْل الصيام وقيمتِه، وقول النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((والَّذي نفسي بيده، لخلوف فم الصَّائم أطيب عند الله من ريح المِسْك))؛ تِلْك الرَّائحة التي يعقبها الصّيام في فم الصَّائم، تلك الرَّائحة الَّتي في ظاهِرِها منتنة أطْيب عند الله من ريح المسك، وفي الحديثِ أيضًا: ((إذا جاء رمضانُ فتِّحت أبوابُ الجنَّة، وغلقتْ أبواب النَّار، وصُفِّدت الشَّياطين))؛ رواه البُخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، وروى التّرمذي وابنُ ماجه وابنُ خزيمة في رواية: ((إذا كان أوَّل ليلة في شهر رمضان، صُفِّدت الشَّياطين ومَرَدَة الجنِّ، وغلقتْ أبوابُ النَّار فلم يُفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنَّة فلم يغْلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقْبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عُتقاء من النَّار؛ وذلك كل ليلة))؛ حسَّنه الألباني في صحيح الجامع.
أيُّها الإخوة:
هذه مزايا شهر رمضان وفضائله، فاحذروا أن تفرِّطوا فيه؛ فإنَّه شهر الله، فإنَّ الله قد جعل لكم أحد عشر شهرًا تنعَّمون فيها، وجعل لنفسِه شهر رمضان، فاستعدُّوا - معشرَ الموحِّدين - لاستقبال شهر رمضان، واستبشِروا بقدومه وشمِّروا عن ساعد الجِدِّ، واغتنموا الفرصة ولا تضيِّعوها بين لهْو ولعِب، وعبث ومجون.
اللَّهمَّ سلِّمنا لرمضان، وسلِّم رمضان لنا، وتسلَّمه وتقبَّله منَّا كما تسلَّمته وتقبَّلته من حبيبك محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم.